بعد 30 عامًا: أطفال حلبجة الناجون من المجزرة.. قصص مؤلمة في إيران!
بعد أكثر من 3 عقود على مجزرة حلبجة، لا يزال مصير نحو 400 طفل مجهولاً بعد أن تم نقلهم إلى المستشفيات الإيرانية آنذاك لتلقي العلاج ولم يعودوا إلى وطنهم. ومن بين الأسباب التي أدت لذلك، مقتل آباء وأمهات معظم هؤلاء الأطفال جراء الهجوم الذي شنه النظام العراقي السابق على المدينة في إقليم كردستان عام 1988.
يقول حاجي آوات، الذي فقد أخاه خلال تلك الفترة، إنه في الليلة التي تم فيها قصف مدينة حلبجة، توجهت عائلته إلى سرداب تحت الأرض لحماية أنفسهم من القصف الجوي الذي نفذته الطائرات صباح يوم 16 مارس. لكنهم تفاجأوا بدخول روائح غريبة تشبه رائحة التفاح إلى السرداب، فخرجوا من الملاجئ واتجهوا نحو الجبال المحاذية لإيران.
وذكر آوات لموقع “الحرة” أن عائلته التي كانت تضم والديه وأخواته الست مع أخيه الصغير انقسمت إلى مجموعتين: أمه مع أخواته وأخيه البالغ من العمر أربع سنوات بينما بقي هو مع والده. وعندما وصلوا إلى الأراضي الإيرانية، بقي هو ووالده في مستشفى بطهران بينما والدته مع بقية أخواته في مستشفى آخر.
وأوضح آوات أنه بعد مرور شهر من بقائهم في المستشفى وعن طريق بعض العائلات الكردية التقى بأمه وإخوته. وهناك تبين أن أخاه ”الصغير البالغ من العمر 4 سنوات قد ضاع”.
وأكد آوات أنهم بحثوا عنه وتواصلوا مع جميع المستشفيات حينها على أمل العثور على أخيه، إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل قائلاً: “ولم نستطع التوصل الى مكان اخي حتى الآن، وتوفي والدي بحسرته ولا تزال أمي تأمل في عودته”.
عندما ارتكب نظام صدام حسين إبادة جماعية بحق الأكراد
“كان الأمر بمثابة نهاية العالم بالنسبة لنا.. لم نر شيئًا كهذا من قبل”.. هكذا يتذكر ناجٍ من الهجوم الكيميائي الذي تعرض له سكان حلبجة مأساة تلك الأيام.
تركت مأساة قصف مدينة حلبجة عام 1988 العشرات من القصص المشابهة لقصة حاجي آوات وأخيه بسبب فرار وتشريد آلاف العائلات التي كانت تعيش في تلك المدينة. حيث أدى القصف إلى موت أكثر من 5000 شخص مدني معظمهم كانوا أطفالاً ونساءً وشيوخاً ونزوح الآلاف الآخرين نحو الأراضي الإيرانية هربًا من الغازات السامة بحسب التقارير المتاحة.حلبجة.. محافظة مع وقف التنفيذ
تناقش الحلقة وضع “حلبجة” كمحافظة مع وقف التنفيذ.
مت حلبجي، الذي كان من ضمن الفارين في ذلك اليوم، ذكر أنه كان يبلغ من العمر 17 سنة، وشهد هروب آلاف العائلات إلى إيران التي استقبلتهم في مستشفياتها وقدمت لهم الدعم الكبير. وبين أنه رأى العشرات من الأطفال الذين أصبحوا أيتامًا بلا أهل، وآخرين انقطعوا عن ذويهم. “فجمعت السلطات الإيرانية هؤلاء المفقودين في ملاجئ للأيتام، وكان يتم تسجيلهم من قبل منظمة الهلال الأحمر الإيرانية ومجموعة من المنظمات المحلية هناك”.
وأضاف حلبجي أنه بالرغم من تلك الإجراءات “إلا أن الكثير من الأطفال أُعطوا إلى عائلات إيرانية قامت باحتضانهم وتربيتهم، لذلك فإن أعدادًا كثيرة منهم تفرقوا في عموم إيران”.
لقمان عبد القادر، رئيس جمعية ضحايا العنف الكيمياوي لحلبجة (وهو أحد ضحايا الهجوم الكيمياوي)، أوضح أن عدد الأطفال المفقودين في المستشفيات الإيرانية بعد قصف حلبجة عام 1988 والذين تم تسجيلهم في جمعيتهم بلغ 119 طفلاً، وسجلت 76 عائلة شكوى بهذا الخصوص. لكن عبد القادر نوه إلى أن عدد المفقودين أكثر من ذلك، مضيفًا أن “المتابعات التي قمنا بها آنذاك بالتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر الإيرانية وعدد من المنظمات المحلية اكتشفنا أنها سجلت نحو 400 طفل (مشرد) من حلبجة”.
وبين عبد القادر لموقع “الحرة” أنهم كجمعية معنية بهذا الموضوع قدموا مذكرات عديدة إلى السفارة الإيرانية وقنصليتها في إقليم كردستان. لكنه أوضح أن الجانب الإيراني كان يقول إن هذا الأمر يجب أن يتم عن طريق الحكومة الاتحادية في بغداد. “ورغم المناشدات الكثيرة التي أطلقناها إلا أن الموضوع بقي قيد الإهمال”.
وأوضح عبد القادر أنه حتى الآن تم استرجاع 8 منهم، مبينًا أن “موت الأشخاص الذين تبنوا الأطفال كثيرًا ما يؤدي إلى كشف الحقيقة لأنه يحرم الطفل من الميراث لكونه ليس ابنهم الحقيقي”.
وجدد لقمان مطالبته الحكومة العراقية بالاهتمام بهذا الملف لأن الكثير من “أطفال حلبجة المفقودين” في إيران ربما يرغبون الآن في العودة إلى وطنهم.وزير الشهداء والمؤنفلين في حكومة إقليم كردستان، عبدالله حاجي محمود، صرح لموقع “الحرة” بأنهم شكلوا لجنة خاصة لمتابعة ملف أطفال حلبجة في إيران.
وأوضح أن اللجنة التي تضم مجموعة من الجهات الحكومية والمنظمات المدنية المعنية، تمكنت من تقديم مطالب الأهالي “بطرق قانونية بالتنسيق مع الجهات الحكومية الإيرانية”.
وأكد الوزير أنهم ناقشوا هذا الموضوع مع القنصل الإيراني الذي أبدى تجاوبه معهم، مضيفًا: “ونحن ماضون في البحث عن هؤلاء الأطفال المفقودين وتحديد مصيرهم بالطرق القانونية مع الحكومة الإيرانية”.
بعد 33 عامًا على هجوم حلبجة الكيميائي.. لا تزال المعاناة تلاحق الناجين الذين يذكرهم كل يوم بالمأساة وهم ينتظرون بلا جدوى تحقيق العدالة. ومن بين هؤلاء الناجين “هاوكار صابر” الذي يعجز عن التنفس بدون جهاز أكسجين.
من جهتها، انتقدت الناشطة الحقوقية باخان فاتح (محامية من مدينة حلبجة) عمل اللجنة ووصفت الخطوات التي تقوم بها بالبطيئة مشيرة إلى أنها لم تحقق الأهداف المطلوبة حتى الآن.
وبينت فاتح لموقع “الحرة” أن هناك العديد من العائلات الإيرانية التي ترغب في إعادة أبناء حلبجة الذين لجأوا إليها لذويهم، لكن “الإجراءات المعقدة تحول دون ذلك”.
وأوضحت أن عودة هؤلاء بعد أكثر من ثلاثة عقود تحتاج إلى تأهيل نفسي ودعم اجتماعي ومادي، مشيرة إلى أن هناك حالات عديدة لهؤلاء العائدين قد رجعوا مرة أخرى إلى إيران بسبب عدم التكيف مع الأجواء الجديدة في حلبجة.
وأضافت فاتح أن الإجراءات الخاصة بالحصول على المستمسكات الرسمية للعائدين إلى ديارهم تستغرق وقتًا طويلاً. وأكدت أنه بالرغم من الإجراءات القانونية الصارمة المتخذة في هذا المجال، إلا أنه توجد حالات لأشخاص إيرانيين ينتحلون صفة عراقيين من حلبجة بهدف الدخول إلى إقليم كردستان والعيش فيه. لكنها أشارت إلى أنه بمجرد بدء التدقيق…لفتت باخان إلى ضرورة أن تعمل الحكومة بسرعة على موضوع حفظ عينات الـ(DNA) الخاصة بالأهالي لمطابقتها مع عينات أبناء حلبجة عند عودتهم.
يُذكر أن مدينة حلبجة، الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية، تعرضت لهجوم بالغازات الكيميائية في 16 مارس 1988 من قبل النظام السابق، مما أسفر عن مقتل أكثر من 5000 شخص مدني. وقد اعتُبر هذا الهجوم بمثابة إبادة جماعية. نتيجة لذلك، تم إعدام وزير الدفاع العراقي الأسبق علي حسن المجيد عام 2010 بعد إدانته بالهجوم على حلبجة باستخدام الأسلحة الكيميائية.