مسؤول أممي: العراق يشهد أماناً واستقراراً غير مسبوقين، وتعديل قانون الأحوال الشخصية ضرورة ملحة!
في أول إحاطة له أمام المجلس منذ تعيينه في منصبه في منتصف العام الحالي، قال محمد الحسان رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) إن “العراق اليوم يختلف عن العراق قبل 20 عاماً أو حتى قبل خمسة أعوام. على الرغم من العقبات الكثيرة، فإن العراق اليوم أكثر أمناً واستقراراً وانفتاحاً”. وأعرب عن ثقته في أن العراق – المتجذر في التاريخ ومهد الحضارة الإنسانية – قادر على التغلب على الأزمات ومواجهة التحديات لتشكيل مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً.
وأضاف أن الحكومة العراقية، في ما يوصف بأنها “منطقة مشتعلة”، أظهرت عزماً قوياً على إبقاء العراق خارج الصراع الإقليمي المتسع “مع الوقوف بحسم كصوت قوي للسلام والاستقرار الإقليميين”. وأشار إلى أن الحكومة تسعى إلى جعل العراق ممراً حيوياً للنقل والطاقة والتجارة، بالاستفادة من الشراكات الإقليمية. وذكر أن مثل هذه المبادرات تؤكد جهود العراق في تعزيز التكامل والازدهار الإقليميين.
وتطرق الحسان إلى “التقدم الإيجابي” في إقليم كردستان العراق، وقال: “بعد عامين من المفاوضات المطولة والتأخير، أجريت الانتخابات التشريعية في كردستان العراق بما أعاد الشرعية إلى مؤسسات الإقليم”.
وقال إن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أربيل بعد الانتخابات كانت خطوة مهمة لتعزيز الحوار المشترك لمعالجة القضايا العديدة المهمة بين الجانبين.
مشكلة الفساد
وفي ظل التطورات الإيجابية في العراق، تحدث الحسان عن التهديد الذي يمثله الفساد المستمر والمنهجي رغم جهود الحكومة لمعالجة المشكلة. وقال: “فيما يتكرر النقاش العام حول الفساد ويشارك الساسة بشكل واسع في هذا الموضوع، فإن القضية لا تزال سائدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالعراق”.
وأكد أن العراق يحتاج إلى تغييرات وإصلاحات شاملة لتعزيز المساءلة وتشجيع الكفاءة وتحسين الشفافية وتقوية أنظمة الحكم. وأعرب عن ثقته بأن الحكومة تتخذ خطوات واعدة نحو هذا الاتجاه.
قانون الأحوال الشخصية
وانتقل الحسان للحديث عن قضية أثارت الكثير من النقاش العام والاهتمام الدولي وهي التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي. وقال إنه أمر مهم…عواقب بعيدة المدى على النساء والأطفال
أشار الممثل الخاص للأمين العام في العراق إلى أن بعثة اليونامي تعمل بشكل مكثف مع الأطراف العراقية، مشدداً على الحاجة إلى إجراء حوار شامل وبناء حول هذه القضية. وأكد على ضرورة أن تتماشى أي إصلاحات لقانون الأحوال الشخصية مع التزامات العراق الدولية وتعهداته تجاه حقوق الإنسان، معرباً عن ثقته في قدرة العراق على ضمان ذلك.
كما أشار إلى النقاش الجاري في مجلس النواب حول تعديلات قانون العفو العام، موضحاً أن بنود العفو يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز المصالحة ومعالجة مظالم المسجونين ظلماً. وشدد على أهمية محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع أمام العدالة، وفي نفس الوقت ضمان تحقيق العدالة بشكل نزيه ومتناسب.
آثار داعش
قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق إن أثر داعش لا يزال واضحاً في المخيمات التي تؤوي آلاف النازحين، وغالبية هؤلاء من اليزيديين. وذكر أنه شهد بنفسه الظروف المعيشية الصعبة وغير المقبولة التي يعيشون فيها. وأعرب عن ثقته بأن العراق قادر على توفير سبل عيش أفضل لمواطنيه.
ودعا إلى عدم نسيان المواطنين العراقيين الموجودين في مخيم الهول شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أن “العراق هو واحد من عدد قليل من البلدان التي بذلت جهوداً حميدة لإعادة مواطنيها من المخيم”. كما ذكر أنه شهد الدعم الذي تقدمه الحكومة ووكالات الأمم المتحدة وشركاؤها لآلاف العائدين إلى العراق بعد فترة طويلة من النزوح والمعاناة.
وأكد أنه يتطلب الأمر القيام بالمزيد لتسريع عودة المواطنين من ظروف تشبه الجحيم في مخيم الهول. وأشار إلى أن الحكومة جددت تعهداتها بالعمل مع اليونامي والمجتمع الدولي لإعادة المواطنين العراقيين من الهول والمخيمات الأخرى في شمال شرق سوريا بحلول نهاية عام 2025 كما هو مأمول. وشدد أيضاً على أن الدول الأخرى التي لديها رعايا في الهول تتحمل نفس الواجب لإعادة مواطنيها.
العلاقات بين العراق والكويت
تحدث محمد الحسان أيضاً عن العلاقات بين العراق والكويت، حيث قال إنه منذ بداية مهامه يسعى مع زملائه لبناء الثقة وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وقد شجع بقوة استمرار المفاوضات لترسيم الحدود البحرية ما بعد النقطة 162، وعبر عن استعداد البعثة والأمم المتحدة لتقديم خدماتها إذا رغب الطرفان بذلك.
وفيما يتعلق بقضية المفقودين الكويتيين ومواطني الدول الأخرى، أكد الحسان استمرار مشاركة بعثة الأمم المتحدة بصفة مراقب لضمان متابعة هذه القضية المهمة.في أعمال الآلية الثلاثية التي تتولى رئاستها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أضاف المتحدث: “بعد مضي ثلاثة عقود، من الواضح جداً أننا بحاجة إلى مزيد من الجهود المخلصة للكشف عن وتحديد مواقع الرفات وفق الآليات المتفق عليها. هذا هو مطلب أساسي من قبل أسر المفقودين الذين طال أمد انتظارهم لمعرفة مصير أبنائهم وأحبائهم. وهو موضوع يحظى بأهمية قصوى لدى دولة الكويت قيادة وحكومة وشعباً. ونأمل أن يشهد هذا الملف جهداً حقيقياً وملموساً من قبل المعنيين”.
كما دعا إلى تسريع الخطى للبحث عن وتحديد وإعادة الممتلكات الكويتية المنهوبة، بما في ذلك الأرشيف الوطني، وذلك لطي هذه الصفحة وتمكين البلدين والشعبين من الانتقال إلى مراحل أعلى من التعاون.
وانتقل الحسان للحديث عن قرار مجلس الأمن رقم 2732 (الصادر عام 2024)، الذي مدد ولاية بعثة الأمم المتحدة في العراق لفترة نهائية حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2025 لتتوقف بعدها عن جميع الأعمال والعمليات المنوطة بها باستثناء ما يتبقى من أنشطة تصفية البعثة، وذلك تماشياً مع طلب رسمي من الحكومة العراقية.
وقال الحسان إن البعثة تواصل القيام بولايتها وفي نفس الوقت تعمل بشكل وثيق مع الحكومة العراقية وفريق الأمم المتحدة القُطري والمقر الدائم للمنظمة لإكمال خطة الانتقال وتصفية عمل البعثة لتقديمها إلى مجلس الأمن بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر 2024.
المجتمع المدني وقانون الأحوال الشخصية
في جلسة مجلس الأمن التي تُعقد أثناء تولي الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للمجلس، تمت دعوة السيدة هناء أدور رئيسة جمعية الأمل العراقية لإلقاء كلمة أمام المجلس ممثلةً لحركة المجتمع المدني العراقية.
وقالت السيدة أدور: “قبل ثلاثة أشهر، تم طرح مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية (رقم 188 لعام 1959) بشكل مفاجئ في أجندة مجلس النواب. يستند هذا المقترح إلى أحكام الشريعة الإسلامية ويعدّ واحداً من أهم القوانين التي أسهمت في استقرار المجتمع العراقي المتنوع دينياً ومذهبياً وقومياً”.
وأشارت إلى أن القانون يكفل الحقوق الشخصية والدينية وحقوق المرأة والطفل، ويضمن مساحة مناسبة للاختيار الحر للمذهب الذي يتم عليه عقد الزواج باتفاق الطرفين ويتلاءم مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضم إليها العراق.
وأضافت أن التعديلات المقترحة على القانون “تنسف كل هذه الأسس لتحل محلها مدونات مذهب”.تفتح المحتويات المجهولة الأبواب لتفسيرات فقهية متنوعة تعود إلى عصور ما قبل الدولة، والتي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة والطفل. حيث يتم إلغاء حق المرأة في الطلاق والنفقة والحضانة والميراث، بالإضافة إلى تقنين زواج القاصرات والزواج خارج المحاكم المدنية.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يتعارض مع الالتزامات الدولية للعراق التي نص عليها الدستور، ويتنافى مع مبادئ الدستور العراقي الذي يؤكد على المواطنة المتساوية أمام القانون، وعلى ضرورة حفظ كرامة المرأة والطفل وحماية الأسرة والمجتمع من التفتت والتشرذم.
وباسم زملائها في تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية – الذي يحمل نفس الرقم – نقلت عدة مطالب عبر منبر مجلس الأمن إلى السلطات المعنية في العراق. ومن بين هذه المطالب السحب الفوري لمقترح التعديل وعدم التصويت عليه وإفساح المجال لنقاشات موسعة وجادة لمراجعة القضايا المتعلقة بالقانون الحالي والسعي لتشريع قانون لمناهضة العنف الأسري وقانون لحماية الطفل.
وأكدت أن النساء في العراق لن يسمحن بتدمير ما بنته أجيال سابقة. وقالت: “لن نعود إلى الوراء. نحن مستمرون في النضال، نساء ورجالا، لتحقيق التغيير المنشود لبناء دولة المواطنة التي تحتضن التنوع والعدالة الاجتماعية”.