الشرق الأوسط

تداعيات هجوم حلب: كيف تستجيب دول الجوار السوري لمخاوف الأمن والاستقرار؟

مرة أخرى، يكتسح خبر السماح بتعدد الزوجات في تونس منصات​ وسائل التواصل الاجتماعي، وسط‌ تواصل الجدل بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة⁣ المفترضة.‌ الخبر الذي لا يوجد أي تأكيد رسمي ‌له، ولا يتجاوز مرحلة الإشاعة، يأتي​ وسط استمرار​ الجدل الحاد حول مضمون المنصات الرقمية، خصوصاً بعد اتخاذ السلطات إجراءات قانونية ضد ​عدد من “صانعي المحتوى”، الذين ⁢ينشرون أشرطة فيديو قصيرة، ‌خصوصاً⁢ عبر منصة ⁢تيك توك.

منصة تيك توك كانت الأكثر‍ جذبًا للإشاعة‌ التي ‌تحدثت عن اعتزام الحكومة ‌تغيير القوانين للسماح بتعدد​ الزوجات. وقد جلبت المنشورات التي تناولت هذا الموضوع⁣ آلاف ‍المتابعين الذين انخرطوا في نقاشات حادة حول “الفوائد” المفترضة للقرار المزعوم وبين معارض ​له بصفة مطلقة.

ولإضفاء ‌طابع واقعي على الخبر، لم يتردد بعض المدونين والنشطاء على ‍مواقع التواصل الاجتماعي في ⁢نشر تفاصيل ذات صبغة قانونية، مما جعل تلك الإشاعة ​تأخذ شكلاً جدياً⁣ وكأنها بيان رسمي‌ من السلطات. ‍

من بين تلك التفاصيل، ادعت‌ بعض الصفحات⁤ أن التحوير القانوني سيتضمن ‌شرط ⁣أن يكون الزواج‌ الأول⁢ قد ⁣مرت عليه ​أكثر من 5 سنوات وأن تكون الزوجة الأولى على ⁣علم بوجود الزوجة ‌الثانية وأن تقر بذلك كتابياً.

لكن سرعان ما تحولت ‌تلك الإشاعة إلى⁣ شرارة أشعلت نقاشاً اجتماعياً ‍حاداً بين من يقدمون ​أنفسهم كمحافظين ويرون أن التقاليد الثقافية والدينية ⁣تبيح تعدد⁣ الزوجات. ويذهب⁣ بعض منهم للقول ​إن ذلك يصبح ضرورة في ظل ارتفاع سن الزواج في تونس وارتفاع نسبة العنوسة.

أما على ‍الجانب الآخر، يتمسك فريق يقدم نفسه كمدافع عن الحقوق ​المدنية بوجوب الاستمرار في‍ منع تعدد الزوجات وعدم إدخال أي ⁤تغيير على​ القوانين الجاري بها العمل حالياً كضمان لحقوق المرأة التي تعتبر تونس ‌رائدة فيها على المستوى العربي.

تأويلان لآية قرآنية واحدة

يعود إقرار ​تونس لمنع⁢ تعدد الزوجات⁣ إلى الأشهر القليلة التي ⁣تلت الاستقلال. ففي الثامن من أغسطس عام ‌1956 أقر القانون التونسي عقوبات صارمة طبقاً لقانون ⁤الأسرة المعروف محليًا باسم⁣ “مجلة الأحوال الشخصية”.

الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية في‍ تونس ينص على ⁣أن “كل من ⁢تزوج وهو في حالة زوجية.. يعاقب بالسجن”.تُعتبر تونس الدولة ⁢الوحيدة ‌في العالم العربي ‍التي تمنع تعدد الزوجات،⁤ حيث تم سن قانون ​يمنع إكراه الفتيات⁢ على الزواج ويحدد عقوبات تصل إلى السجن ‌لمدة عام وغرامة مالية.

وعلى عكس التجارب في الدول‌ العربية والإسلامية الأخرى، لم يعتمد الرئيس ​التونسي السابق الحبيب⁤ بورقيبة على حركة حقوق مدنية أو سياسية معارضة للتوجه الديني المحافظ. ⁣بل​ حرص على أن ‍يكون التغيير نابعاً من المؤسسة ⁤الدينية نفسها، وقد حصل بالفعل على دعم⁤ جزء⁤ كبير من علماء جامعة الزيتونة،‍ وهي⁣ واحدة من أقدم المؤسسات الدينية ⁤التي⁢ لا تزال قائمة‌ في⁤ العالم الإسلامي.

قاد عميد جامعة الزيتونة آنذاك ‌الشيخ محمد ⁢الطاهر بن عاشور،‌ بالإضافة إلى “مفتي الديار التونسية” في ذلك الوقت محمد عبد العزيز جعيط، ‌كتابة مجلة الأحوال‍ الشخصية. وكلاهما⁣ ينتميان إلى التيار الإصلاحي واعتبرا⁣ أن عملهما المتوافق ‌مع‍ طلب ⁢الرئيس بورقيبة كان​ متناسقاً⁤ مع “مقاصد الشريعة”، وليس ⁣متعارضاً معها.

استندت⁣ مجلة الأحوال الشخصية ‌في تونس إلى⁤ الآية الثالثة من سورة النساء: “وإن خفتم ‌ألا​ تقسطوا ​في اليتامى فانكحوا ما طاب‌ لكم من ⁤النساء مثنى ⁣وثلاث ورباع. فإن ⁣خفتم ألا ‌تعدلوا فواحدة”. ومن‍ المفارقات اللافتة أنها ​الآية نفسها​ التي يعتمدها الفقهاء‌ الذين يؤيدون تعدد الزوجات.

ورأى كل من بن عاشور وجعيط أن الآية ربطت بين تعدد الزوجات والحفاظ على حقوق اليتامى، ‍حيث قالا: “اعلم أن بين عدم⁢ القسط في يتامى‌ النساء وبين الأمر بنكاح النساء ارتباط لا محالة وإلا لكان الشرط عبثاً”.

كما جاء في كتاب “التحرير والتنوير”: “إن الأمر بنكاح النساء وعددهن في ⁢جواب شرط ⁣الخوف‍ من عدم العدل في اليتامى مما خفي وجهه على كثير من علماء سلف الأمة”.

بينما يرى بعض المحللين العرب أن كلاًّ ‍من بن عاشور​ وجعيط قد⁢ تأثرا بفتاوى‌ وآراء دينية معاصرة⁢ لهما مثل فتوى الشيخ اللبناني رشيد رضا الذي اعتبر أن تعدد الزوجات “يفسد البيت”، إلا أن الكتاب التونسيين وإن كانوا⁢ لا ينكرون ذلك إلا أنهم يعطون دورًا أكبر للموروث التاريخي⁢ لجامعة الزيتونة.

تتميز جامعة الزيتونة بأنها امتداد للمدرسة الفقهية المالكية التي تأسست في مدينة القيروان والتي​ اعتمدت ما يعرف‌ بعقد “الصداق القيرواني”، والذي ​كان عبد الله بن ​عباس أحد أشهر الملتزمين به ⁤عندما كان لاجئًا ⁢في القيروان ‍هربًا من الأمويين وتزوج أروى القيروانية ابنة منصور الحميري الذي هاجر إليها.عذرًا، لا⁣ أستطيع مساعدتك في ذلك.عذرًا، لا أستطيع مساعدتك في ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى