
بيـــروت / د.هشام زين الدين
متابعة ماجد لفته العابد
تعود الحركة المسرحية إلى بيروت بمسرحية “لعل وعسى” لكريستيل خضر كتابة وإخراجاً، ومع رندا الاسمر وحنان الحاج علي تمثيلاً على خشبة مسرح دوار الشمس. عودة المسرح الى الجمهور والجمهور الى المسرح بعيداً عن بدع العروض الافتراضية، عودة جميلة بعد شوق انتظار، لقاء أهل المسرح في المكان الذي افتقدوه، وعادوا ليشاهدوا فيه عملاً مسرحياً يحكي قصصهم، همومهم، انكساراتهم وخيباتهم وحنينهم وذكرياتهم الموجعة.
“لعل وعسى” ليست مسرحية بالمعنى التقليدي، هي خليط بين المحاضرة الممسرحة والعرض الادائي “المابعد حداثي” حيث لا وجود لبنية النص التقليدية وللتصاعد الدرامي والحبكة والحل، وحيث ينطلق العرض من الخاص الى العام لتحقيق هدفه، لإيصال فكرته، رسالته، وحيث لا وجود للشخصيات المسرحية بأزيائها وماكياجها وأبعادها النفسية ومواصفاتها الداخلية والخارجية، بل نحن في مواجهة ممثلتين على خشبة فارغة الا من كرسيين، بإسميهما الحقيقيين، رندا وحنان، رندا المسيحية وحنان المسلمة، تخبراننا قصص ومواقف من الحرب الاهلية اللبنانية من خلال اطار للموضوع هو معهد الفنون الجميلة بفرعيه الأول في بيروت الغربية والثاني في بيروت الشرقية الذي درستا فيه اختصاص المسرح.
الطرح الفكري الذي تضمنه العرض، هو خليط من مجموعة تناقضات، رفع الصوت عالياً في وجه السياسات اللاثقافية التي قتلت المسرح في بيروت، اعلان خيبة الأمل والندم على سنوات العمر التي يفنيها الممثلون في المسرح، جلد الذات بقسوة تعبيراً عن اليأس والاحباط، عدم القدرة على احداث اي تأثير أو تغيير في المجتمع أي انتفاء وظيفة المسرح في حياة الناس، توجيه رسائل سياسية باتجاهات مختلفة للاحزاب والجماعات الطائفية اللبنانية التي كانت سبباً لهذا الخراب في حياة هاتين الممثلتين، كنموذج لخراب حياة كل اللبنانيين وخراب البلد ككل.
موجع وتراجيدي عرض “لعل وعسى” لا تخفف من قساوته تلك الابتسامات واحياناً الضحكات التي تصدر من الصالة بين لحظة وأخرى، وجميل وحقيقي وصادق هذا البوح الانساني الذي تشاركت فيه رندا وحنان مع الجمهور، لقد كانتا شفّافتان كجناح فراشة، نعرفهما نحن أهل المسرح، كانتا تتكلمان عن كل منّا، عن خيباتنا السابقة واللاحقة، عما ينتظرنا من ندم قادم لا محالة، حتى لو انتهى العرض ببارقة أمل انسانية لا تغدو كونها أكثر من تمنٍ معاكس للواقع الذي نعرفه جميعاً.
المحاضرة الممسرحة هو توصيف لنوع العرض لكنه لا يبدو منصفاً، كلمة محاضرة تفتقد الى الحميمية والى شفافية البوح وصدقه، ولعل كلمة “ممسرحة” تعيد التوازن للجانب الشعوري التفاعلي الحي بين رندا وحنان من جهة وبيننا نحن المتسمرين في مقاعدنا كأن على رؤوسنا الطير، نتابع بانتباه وتركيز كل رمشة عين على الخشبة، كل كلمة، كل ايماءة، كل ايحاءة، هنا تكمن قوة العرض، المتعة، التواصل والتفاعل الحسي والفكري بين الخشبة والصالة، كبيرتان رندا الأسمر وحنان الحاج علي، متمرستان، موهوبتان، خبيرتان، لم يكن العرض بحاجة لأكثر من وجودهن، لا حاجة للسينوغرافيا ولا الى مؤثرات خاصة، الممثل روح المسرح وجسده ويكفي حضوره عندما يحضر بكل طاقته.
مما لا شك فيه ان وراء اي عمل مسرحي ناجح مخرج مسؤول وعالم بمهنته، كريستيل خضر ككاتبة للنص الذي لم تؤلفه بل جمعته من خلال تدوين لذاكرة جماعية حول المسرح اللبناني ابان الحرب وذاكرة رندا وحنان الخاصة حول حياتهن المهنية والاجتماعية. ليس مهماً من اين ولد النص، المهم انه ولد وتحقق على الخشبة على يد كاتبته، ومخرجته التي اختفت خلف بطلتيها، ولم تبرز الاخراج كعنصر مستقل عن جو العمل، إنه الاخراج القوي الواثق الجميل والمؤثر.
“لعل وعسى” عرض مسرحي قوي في بساطته، عظيم في تقشفه، لا يشبه غيره من العروض حتى التي تنتمي الى النوع ذاته، عرض لبناني بامتياز، موجه الى جمهور النخبة الثقافية عموماً والمسرحية خصوصاً، يستمتع فيه أكثر من كان مطلعاً على تاريخ المسرح في لبنان، من عايش المسرحيين وعمل في المسرح خلال الحرب، يستمتع فيه أقل المشاهد العادي لكنه يستخلص العبر.

About Post Author
admin
More Stories
… أسرار قلبي …
العربية24نيوز/ SHDA ALI قالوا كل شيء عن حياتك ما زلت ألاحقك أنا أبحث عن البحث عن اختفائك للعثور عليك وشكاوى...
هُروبٌ إِلى الشَّطِّ
العربية24نيوز/ زياد جزائري أَتَيتُ إِلى( الشَّطِّ) أنْسى الدُّنَى وَأَرسُمُ فَوقَ الرِّمالِ المُنَى وَأَحلُمُ أَنِّيّْ نَزِيْلُ الجِنانِ وَأَزعُمُ أَنِّي الأَميرُ هُنا...
البكاء على صدر الهوية
العربية24نيوز/ماجدة قرشي لما رأتني ,والمدامع أودعت°° عندي ما شاءت,ولم تفتر يد°° ألقت سلاما,ثم قالت من أرى؟؟؟؟؟°° أمتيم مثلي.؟ومثلي يجلد؟؟؟؟°° صب...
طَيَّةُ الحُلُمْ
العربية24نيوز/ Salim Bablli من البسيط عِندَ المغيبِ أتت في طيَّةِ الحُلُمِ حوراءُ ما بَرِحَتْ بالي و لا قلمي سمراءُ أعشقُها...
إطلالة، ثرثرة ..سفر بالماضي…
العربية24نيوز/ ابو سلمى الفصل الأول{حب الصبا}. فلسفة المكان والزمان، داك الإنتقال إلى الوراء، في أوقات ولحظات بدءا من نقطة البداية...
رضاك يا امينة
العربية24نيوز/ هاجر بن حسين ديدي انا يا امي اهواك ذليلا ثرى الاقدام القاه ثمينا تراب الارض ارضاه سبيلا لجنات الخلود...
Average Rating