العربية٢٤نيوز/د.عبدالكريم كامل
تمثل الواقعية الجديدة للاقتصاد الكلي في روسيا أحدى الآثار الناجمة عن ألازمة العالمية، فبعد سنوات عشر من الازدهار والانخفاض المتواصل للديون الحكومية لم تعد الموازنة بقادرة على توازن إيراداتها بنفقاتها، ولم يكن هذا حدثا كبيرا في القياسات التاريخية، فلعقدين من الزمن تعايشت روسيا مع عجز عميق في الموازنة، وكان من الممكن إن يكون الحديث أكثر دقة إذا قيل إن لدينا ألان واقعية اقتصادية كلية جديدة – قديمة التي تذكرنا بما حصل مشارف العقد 1970 – 1980.
وبالنسبة لاؤلئك الذين لا يتذكرون الماضي القريب، فأنا اذكرهم بما كان عليه الاقتصاد من صفات. فالاقتصاد كان ينمو بانتظام وبمستويات معتدلة (3%) وهي نسبة أعلى مما كان عليه الحال في غالبية الدول الرأسمالية المتقدمة. إذ أسعار النفط كانت مرتفعة بشكل لا مثيل له في التاريخ مما يسمح بتوازن الميزانية بهذا القدر أو اقل منه، أي شيء من العجز، الشيء الذي يظهر في النقص السريع المتنامي للسلع.(وهو ما يشبه التضخم الحاصل في ظل التنظيم الحكومي للأسعار المحلية). إن كل الإيرادات المتأتية عن النفط والغاز توجه لتغطية نفقات الموازنة التي يتم في ضوءها أنجاز البرامج الاستثمارية وشراء السلع الاستهلاكية. إن الدين الحكومي في تزايد إلا انه يبقى قليلا وتحت السيطرة التامة. لقد انشغل الاقتصاديون في مناقشة المشكلات المتعلقة بـ (تحسين الآلية الاقتصادية)، إذ صار موضوعا يستهويهم لما له من تأثير في تحفيز النمو الاقتصادي في حين لم يتغير شيئاً جوهري في ذلك.
إن الشيء الرئيسي في المناقشات الاقتصادية كان يتمثل في البحث عن مؤشرات صحيحة للمنتجين قصد استخدامها لمكافأة النشطاء من العاملين ومعاقبة المتباطئين منهم، وان عدم استقرار هذا الانموذج (موديل) يعتبر المشكلة الأساسية له. وان تدهور العائدات الناجمة عن تصدير موارد الطاقة يمكن أن يؤدي (كما هو أدى بالفعل) إلى أثار كارثية. لقد كان النظام السائد في الثمانينات من القرن الماضي صلدا ولا يتذبذب, غير انه تهاوى بعد مضي سنوات أربع عندما انهارت أسعار النفط في عام 1986، وفيما كان القادة السوفيات يبررون ذلك، بأن العالم وقت ذاك لم يكن قد اصطدم بعد بظاهرة تذبذب أسعار النفط، فأن نمو أسعار النفط كان ظاهرة قائمة حيث إن الإستراتيجية الاقتصادية كانت قد بنيت على أساس إن موارد الطاقة تتجه للتزايد فقط.
لقد حملت تجربة الخمس وعشرون عاما معها تعديلات جوهرية في الستراتيجيات الاقتصادية في الدول الغنية بموارد الطاقة، فاتجهت هذه الدول عمليا نحو تكوين أرصدة احتياطية حتى لا تبقى رهينة لتذبذب الأسواق الخارجية، وأصبحت روسيا التي مرت بصدمات للاقتصاد الكلي الصعبة في التسعينات من القرن الماضي أحدى الدول الرائدة في مجال بناء الأرصدة الاحتياطية التي أطلق عليها (احتياطيات الاستقرار).
إن وجود هذه الاحتياطيات سمح بتلطيف تأثيرات ألازمة العالمية بشكل ملموس، ولكنها كانت ذات تأثير سلبي، إذ إنها أعاقت بشكل جدي التحديث الهيكلي للكثير من المشروعات. غير إن التأثيرات الاقتصادية الكلية كانت مثار للقلق، والأكثر من هذا إن كل شيء جرى تصويره على ان يجري بشكل جيد بأكثر مما هو في غالبية الدول المتقدمة.
إن عائدات النفط والغاز تكفي لتوازن الموازنة مع عجز ليس بالكثير مقارنه بما هو كائن في أكثر البلدان التسعة G9، فالدين الحكومي منخفض وينمو الاقتصاد بمستويات معتدلة ويتم معالجة المشكلات الاجتماعية التي بدأت تحظى بأولوية الاهتمام، فيما يواصل الاقتصاديون بحثهم عن الأدوات التي بامكانها أن تجعل الاقتصاد أكثر قدرة على التحديث. وبالطبع يمكن إبراز الكثير من الحجج هذه المرة لأسباب تزايد أسعار النفط. بشكل دائم، بحيث أنها صارت بإزاء (ارتفاع جديد) فيما يحصل طلب (النمور الآسيوية) من الاتجاه التصاعدي أمرا غير قابل للتراجع. وبالضد من ذلك من الممكن أن تثير المخاوف من المصادر البديلة للطاقة (وبضمنها النفط) مما يؤدي الى تهاوي أسعار الثروات الطبيعية الروسية في المستقبل المتطور.
وعلى الرغم من ذلك، فأن المدخل الحذر والمتوازن للسياسة المالية هو المدخل المفضل، إذ انه يفترض توازن الميزانية عند ذلك المستوى الذي يعتبر مستقرا من الوجهة التاريخية، ولا يترك البلاد رهينة لعوامل لا سيطرة للدولة الوطنية عليها, وفي ظل هذا المدخل يتم احتساب الموازنة لا على أساس أسعار النفط التجارية وإنما على متوسط السعر خلال اعشر السنوات القادمة في إطار توجيه الإيرادات الإضافية الممكنة إلى الأرصدة الاحتياطية أو (احتياطيات الاستقرار). وبالطبع إن سياسة مالية محافظة لن تكون سياسة شعبية، إلا إنها بالمقابل ستراتيجية أكثر أمنا.
About Post Author
admin
More Stories
بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وزارة التجارة توزع المواد الغذائية على المواطنين والمشمولين بالحماية الإجتماعية
العربية٢٤نيوز/ هادي جلو مرعي بدأت وزارة التجارة وبدعم وتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتوزيع مواد السلة الغذائية...
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يلتقي عدداً من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك خلال زيارته الرسمية إلى تركيا
العربية٢٤نيوز - السوداني: من أولويات عمل الحكومة هي قطّاعات الخدمات والسكن والنقل وبناء المدارس والتشغيل المشترك للمستشفيات بالشراكة مع...
مصرف الرافدين يصدر توضيحا بخصوص سلفة ال ٢٥ مليون للمتقاعدين
العربية٢٤نيوز -السلف تبدأ من 5 ملايين دينار ولغاية 25 مليون دينار -تمنح السلفة للمتقاعد الأصيل حصراً على ألّا يتجاوز...
Average Rating