البحرين بقلم الناقــد : يوسف الحمدان
متابعة العربية 24 نيوز/ماجد لفته العابد
إذا ما قارنا بين نصيب ذوي الإعاقة من الرجال وبين نصيب ذوي الإعاقة من النساء في الدراما الخليجية، سنجد أن اهتمام الإعلام بمختلف وسائطه وليس الدراما التلفزيونية فحسب، يولي ذوي الإعاقة من الرجال النصيب الأكبر من الاهتمام، سواء كان ذلك الاهتمام سلبيا أم إيجابيا، ولعل ذلك الاهتمام يدفعنا لأن نتساءل: هل كان الإعلام منصفا للمرأة إلى الدرجة التي يسعى إلى تحجيم نصيبها من الإعاقة بمختلف أنواعها، أم لأن المرأة الممثلة تحديدا غير قادرة على تجسيد أدوار الإعاقة كالرجل في المسلسلات الدرامية ؟ .
سؤال طرحته على نفسي بعد بحث وتفتيش في تلابيب ودهاليز المسلسلات العربية والخليجية التي قدمت في فضائياتنا، لأتوصل في نهاية الأمر إلى عدد محدود من المسلسلات التي عنيت بذوي الإعاقة من النساء، ولأتوصل أيضا في نهاية ألأمر بأن الإعاقة الأكبر والتي نالت نصيب الأسد في أغلب مسلسلاتنا العربية والخليجية هي الإعاقة النفسية، حيث المرأة المضطهدة والمسحولة والمقهورة والمهمشة وناقصة العقل والتي يمارس عليها العنف بشتى أنواعه وأشكاله، سواء في محيطها الأسري أو الاجتماعي أو السياسي ..
وهذا النوع الأخطر من الإعاقات للأسف الشديد يبدو أنه غير مدرج في قائمة التصنيف الإعاقي في وطننا العربي لذوي الإعاقة ، وللأسف يأتي البحث في هذا الجانب الإشكالي وقتيا وعابرا، بالرغم من اهتمام بعض المؤسسات المعنية بذوي الإعاقة في الخليج العربي، وتسليطها الضوء على ضرورة تناوله والتصدي له إعلاميا ودراميا، مثل هيئة تحرير المنال بالشارقة التي أقامت ملتقى يعنى بالإعاقة وكيفية تعامل وسائل الإعلام مع قضايا ذوي الإعاقة ودورها ومسؤولياتها تجاه المجتمع الذي تنشط وتتحرك فيه وتتوجه إليه، والتي دفعت بجملة توصيات للأسف الشديد لم تجد صدى كافيا لدى المعنيين بشأن الإعلام والدراما، ولا أعرف لماذا؟ هل أقيم هذا الملتقى بمعزل عن أهل الدراما أم أن أهل الدراما هم المقصرون في هذا الشأن؟ .
ولو ألقينا نظرة سريعة على أغلب مسلسلاتنا الخليجية سنجد أن ذوي الإعاقة فيها هم المثيرون للشفقة والرثاء أو الحاقدون الناقمون على المجتمع ..
صور نمطية تكررت كثيرا في أغلب وسائطنا الإعلامية، صور تجاهلت أهمية أن يتم تناول ذوي الإعاقة من منطلق واقعهم الموضوعي بما فيه من نقاط قوة وضعف، وإن عازت هذه النقاط مخيلة الدراما التي ينبغي أن تنسج لغة وحبكة الحكاية وخيوطها في الدراما ..
وتكمن المشكلة الأكبر في المعالجة الدرامية لذوي الإعاقة من النساء أو الرجال في عدم عرضها على الاختصاصيين أو المعنيين بشؤون ذوي الإعاقة، والاستبصار من خلالهم على بعض الجوانب التي من شأنها أن تثري هذه المعالجة وتجعلها أكثر قربا من واقع ذوي الإعاقة، لذا نلحظ أن أغلب المحدود من المُعَالج دراميا في هذه المسلسلات يأتي في سياق بعيد عن واقع ذوي الإعاقة وبعيدا عن المعايشة الفعلية لهم، وعليه تكون النتائج غير موفقة دراميا وواقعيا ..
فهناك أمور تعنى مثلا بحقوق ذوي الإعاقة، وهناك أمور تعنى بكيفية التعامل معهم حسب نوعية كل إعاقة، هذه الأمور للأسف شبه مغيبة عن ذاكرة ومخيلة من يتصدى لها دراميا، وأغلب ما نلاحظه في هذه الدراما نساء أو رجالا موظفين للضحك والسخرية على عاهاتهم وتأتآتهم وتصرفاتهم، باختصار هم مادة للتسلية والترويح عن النفس ..
وإذا اقتربنا أكثر من ذوي الإعاقة من النساء سنجد تقصيرا بيّنا لهن في الدراما الخليجية، حيث لم يلفت انتباهنا منهن سوى مسلسلين أو ثلاثة، وأكثر تحديدا المسلسل الكويتي «فضة قلبها أبيض» للكاتبة هبة مشاري حمادة، إخراج غافل فاضل، بطولة الفنانة القديرة سعاد عبدالله التي قامت بدور فضة ، وهي محور الحدث في المسلسل ..
المسلسل اجتماعي كوميدي، يميل إلى السخرية المرة ، ويتعرض لحالة إنسانية من خلال امرأة اسمها « فضة»، تحاول التعايش مع من حولها، خاصة وأنها تجاوزت الخمسين من العمر، ولكن نموها العقلي توقف عند العشر سنوات، فتتعامل ببراءة، في مجتمع ملوث تسوده الصراعات.
يتناول العمل أكثر من خط ، الرابط بينهم جميعا امرأة اسمها «فضة» تتعامل ببراءة في مجتمع شبه ملوث تسوده الصراعات وتحكمه المادة في ظل انعدام القيم حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
«فضة» في هذا المسلسل تمثل قطاعا من ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل معاناتها من إعاقة ذهنية وأخرى جسدية، والأكثر سطوة هي النفسية، حيث تواجه من أقرب أقربائها عنفا نفسيا غير عادي يواجه كل مظاهر الطيبة والوداعة فيها ..
هذا المسلسل يأخذك بعفويته إلى التفاعل معه والتعاطف مع أبطاله نظرا للأحداث التي تميل إلى الكوميديا الموظفة بأسلوب يحترم المشاهد.
من جانب آخر نقف عند جانب الشر الذي تجسده الشقيقة الصغرى هدى حسين والتي تقوم بدور فايقة التي تقدم بها العمر ولم تتزوج، ولها أطماع ومحبة للحياة ومقبلة على الدنيا، عندها تطلعات للسيطرة على اختها والاستيلاء على ثروتها، خصوصا وأن «فضة» تملك أرثاً ضخماً من أبيها وأمها اللذين توفيا وتركاها في عهدة مربية ضحت كثيرا من أجلها، وعندما تمر فايقة والاخت الثالثة -التي تجسد شخصيتها الفنانة عبير الجندي – بضائقة مالية تلجآن إلى منزل «فضة»، وهنا تبدأ محاولات «فايقة» للسيطرة على «فضة» ، فالعمل يزخر بالأحداث الانسانية التي نفتقد اليها في وقتنا الحالي ..
في هذا المسلسل حاول المخرج غافل فاضل الاقتراب بعين شاخصة إلى عين المشكلة التي تعاني منها فضه وتعاني منها أسرتها ويعاني منها المحيط الاجتماعي، فقرأها بوصفها امرأة شكلا، وطفلة عقلا، والخطوط الدرامية كثيرة، ما تطلب تكنيكا جديدا في الإخراج، فشخصية فضة أقرب للرومانسية وحاول المخرج أن تكون الكاميرا أقرب للحس الرومانسي وهناك قليل من
المشاهد يطغى عليها التوتر العصبي فاستخدم المخرج الايقاع السريع كي يشعر المشاهد بالتنوع البصري.
ويأتي هذا الإهتمام الإخراجي بالحكاية من اهتمام محفز بها من قبل المؤلفة هبة مشاري التي قدمت من خلال هذه الحكاية عملا مغايرا للسائد في المجتمع الخليجي، حيث عرجت على المنحى الانساني في شخصية «فضة» كونها ناقصة الأهلية وجعلت الاشخاص يتعاطون معها سلبا وايجابا واعتمدت على تقنية الحدوته التي تهتم بأدق التفاصيل في هذه الحكاية ..
إلى جانب ذلك درست هبة مشاري مؤلفة العمل الشخصية في ابعادها وسلوكها وردود أفعالها، وهذا ما ينقص الكثير من مؤلفينا أو كتاب الدراما أثناء تصديهم لقضايا مثل هذه القضية المركبة التي تصدت لها المؤلفة هبة مشاري ..
هذا التكامل المسؤول في إنجاز العمل، يبرز القضية المعالجة بشكل أكثر تأثيرا، خاصة وأن المتصدي للشخصية المحورية فيه، فنانة لها تجربة مميزة في عالم الدراما الخليجية وهي الفنانة القديرة سعاد عبدالله التي يبدو أنها عاشت الدور ومعطياته بشكل عميق، الأمر الذي جعلها مقنعة في أدائه إلى حد كبير ، ويأتي ذلك الاهتمام على خلاف من يعرض صورة ذوي الإعاقة بشكل مشوه ، أو ناقص بحيث تبدو هذه هي المرجعية في تعامل الناس الأصحاء في المجتمع مع ذوي الإعاقة ..
من النماذج الجديرة بالتوقف في صدد معالجة الدراما الخليجية للمرأة ذات الإعاقة، مسلسل ” اللقيطة ” ، تأليف الكاتب القطري طالب دوس، إخراج الفنان الكويتي المبدع محمد دحام الشمري، وتلعب فيه الفنانة أحلام حسن دور صديقة اللقيطة التي تؤدي دورها الفنانة البحرينية هيفاء حسين ..
في هذا المسلسل تجسد الفنانة أحلام حسن شخصية خلود ابنة الفنان جاسم النبهان والفنانة ليلى السلمان وهي بنت من ذوي الإعاقة الحركية، وهي كسيحة أو مشلولة وتظل طوال أحداث المسلسل فوق كرسي مدولب، ويعتبر هذا الدور مركبا ومختلفا بالنسبة للفنانة أحلام حسن، ويعتمد على ردود الأفعال الساكنة في الجسد، ويمر دورها بمراحل من التدرج، سواء عندما
كانت طالبة في الثانوية أو خريجة في الجامعة، وكذلك عندما كانت تمارس عملها كمحامية وتذهب إلى المحكمة وتترافع وهي في الكرسي المدولب ..
وقد تمكنت الفنانة القديرة أحلام حسن من إعطاء الدور أبعاده المركبة والصعبة والقريبة من أهل الإعاقة ذاتها، فقد كانت ابتساماتها قليلة وأداؤها النفسي صاخب ومعبر وقادر على توصيل لغة المعاناة والأمل بأبلغ من الكلام نفسه.
مثل هذه الأدوار تحتاج إلى جهد كبير من المؤدي كي يستطيع أن يبرز انفعالات وأحاسيس الشخصية المؤداة، ولكن الفنانة أحلام حسن تمكنت من أن تتقن الحالة النفسية للشخصية، فهي بقدر ما اختزلت في انفعالاتها الحركية والانفعالية عبر الابتسامات القليلة ، كذلك اختزلت في حوار العين الذي باح بالكثير من حالاتها النفسية، ولم ترتكن الفنانة أحلام حسن في أدائها إلى عضلات الجسم وثرثرتها التي غالبا ما يستعيض ويستعين بها المؤدي الذي لا يمنح نفسه وجسده للشخصية المجسدة في مثل هكذا حالات ..
إن أداء مثل هذا الدور يكون غالبا متعبا، إذ يحتاج إلى جلسة مختلفة على مقعد الكرسي المدولب، أسلوب خاص في وضع اليد المشلولة فوق الركبة ومعاناة كبيرة في تحريك إيماءاتها، وقد أجادت الفنانة أحلام حسن أداء هذه التفاصيل المركبة للدور ..
وتمر الشخصية خلود، بثلاث نقلات في حياتها، فهي تولد مع اللقيطة في يوم واحد وتتربى معها وتنشأ بينهما علاقة صداقة قوية وحميمة، وفي البداية تكون إنسانة محطمة بسبب الإعاقة رغم تفوقها في الجامعة، ولكن بعد تخرجها من كلية الحقوق وعملها في حقل المحاماة تتغير حياتها وتكسر الحاجز النفسي الذي كان يحول بينها وبين الناس، ثم تصبح حياتها أكثر دفئا ورومانسية عندما تقع في الغرام ..
مثل هذه النوعية من الأعمال والأدوار المركبة، تحتاج أيضا إلى مخرج قادر على تشكيل رؤية خلاقة تلج بواطن التجربة وتستجلي أعماقها باقتدار، وكان الفنان المخرج المبدع محمد دحام الشمري ينتمي إلى هذا النوع من المخرجين، فنان يحرص في اختياره لأعماله أن تكون جديدة من حيث الشكل والمضمون، فنان يعرف كيف يتعامل مع الحالات الصعبة والمركبة، ففي هذا المسلسل يتصدى الشمري إلى قضية جديدة على الدراما الخليجية تطرح للمرة الأولى على شاشاتها، وهي كيفية معاملة اللقطاء في المجتمع وتحميلهم وزر ذنب لم يقترفوه ..
إنه يمس وترا حساسا لدى المتلقي ويحترم عقله ولا يتعالى عليه، إنه يعقد الخيوط في هذا المسلسل ويشبكها ليضعك أمام مشاهد القضية الأصل والمشكلة، مشاهد تتقاطع فيها مشاعر الحب والعطف والقسوة لتكون في واجهة شخصيات مركبة لا تشبه بعضها ..
في هذا المسلسل سعى الشمري إلى استخدام تكنيك إخراجي يعبر عن الدراما التي يقدمها المسلسل، فإذا كان تكنيك الكاميرا في مسلسل «ياخوي» الذي أخرجه الشمري بطيئا ورومانسيا، وفي «قلوب مهشمة» كانت الحركة سريعة ومتلاحقة لتتماشى مع إيقاع الأحداث البوليسية السريعة ، وفي «الدنيا لحظة» كانت الحركة واقعية، فإن تكنيك الكاميرا في مسلسل «اللقيطة» متلاحق ولهاثي وأقرب إلى الواقعي، خاصة وأنها تعج بمشاهد الأحلام والكوابيس والصخب النفسي ..
المخرج محمد دحام الشمري ينفذ هذا العمل وغيره من اعماله الدرامية بتكنيك سينمائي يعتمد على التصوير بكاميرا واحدة وليس بكاميرتين كما هو معمول به في تصوير الاعمال الدرامية ، محيط اللقيطة ..
تعيش الفنانة أحلام حسن «خلود» في كنف أبيها الفنان جاسم النبهان المدعو عبداللطيف «بوخلود»، حيث أن ابنته مشلولة وله صديق مقرب اسمه «عبدالله» لا ينجب الاطفال وذات يوم يجدان طفلة صغيرة «لقيطة» بعد صلاة الفجر ثم تمر السنوات وتبقى هذه اللقيطة في منزل عبدالله حتى تكبر لكن زوجته تحمل وتضع له الاولاد ثم يموت ولا يعرف سر هذه الطفلة اللقيطة سوى «عبداللطيف» وزوجته ثم تتوالى الاحداث وتمر السنوات وتصبح هذه اللقيطة صديقة لابنته المشلولة ، ثم تبدأ خيوط العمل تتشابك وتتعقد الاحداث شيئاً فشيئاً الى ان تعرف هذه «اللقيطة» حقيقة وضعها في لحظة ما من العمل فتبدأ هذه الفتاة تبحث عن أهلها دون جدوى وتظل هذه القضية شبه معلقة لأن هناك قضايا أخرى عديدة في هذه الحياة تبقى هكذا معلقة ولا يستطيع الانسان أن يحلها.
ومن الأدوار المهمة التي تجسدت صورة المرأة ذات الإعاقة في الدراما الخليجية ، دور زنوبه في مسلسل أم هارون الذي أخرجه الفنان محمد العدل وقامت بأدائه الفنانة الكويتية الشابة آلاء الهندي ، فقد كان دورها في هذا المسلسل الذي يعج بصراعات سياسية واجتماعية وعرقية وعنصرية مركبة وإشكالية ، كان محور الحركة الحية في ( حيّ ) في كل أحداث هذا المسلسل ، وقد تمكنت الفنانة آلاء الهندي أن تستثمر كل ممكنات الأداء الصوتي والحركي والإيمائي من أجل إبراز شخصية زنوبه المشردة التائهة التي قذفت بها الأحداث في كل ساحات الحيّ ودهاليزه ، في نهاره وعتمته ، وكانت الشاهد الرئيس على المؤامرات والدسائس التي تحاك ، وكانت الشخصية الملتبسة والمهددة والمعرضة لكل انتقامات الحاقدين على كل ممكنات الاستقرار والسلام في هذا الحي .
لقد كانت اللجلجات والتأتآت التي تصدر منها في أي موقف تتصدى له أو يحدث عنها بطوع منها أو رغما عنها ، كانت تصدر عن استيعاب أدائي معمق لطبيعة وحالة الشخصية التي تتجسدها ، وكانت بمثابة وجه آخر للصراحة المغيبة لدى الشخصيات السوية في تكوينها البيولوجي ، بل هي الأسئلة الصعبة والجريئة التي يتعذر على الشخصيات الأخرى الجهر بها سواء عبر الحدث أو الموقف أو اللحظة ، وهي مخبأ الأسرار الذي عانت الأمرين بسبب تجرعها أوجاعه الفاتكة التي تعايشت معها لفترة قهرية ليست بقليلة بعد وفاة والدتها وانفلاتها في تيه البحث اليائس .
هي إعاقة تبرز في ظاهر الجسد وحركته ولكنها خلاف ذلك في ممارستها الفعلية في حياة الدور نفسه الذي يتبدى في حالة الجنون ، وكما لو أن ذلك أشبه بغطاء لفعل آخر يروم ممارسة العقل في سلوكه اللحظي وتمثله للشخصية فيه .
ويأتي ذلك الاهتمام بهذه النماذج التي عرضنا لها وهي مسلسلات (فضة قلبها أبيض) و(اللقيطة) و ( أم هارون ) على خلاف من يعرض صورة ذوي الإعاقة بشكل مشوه كنموذج ( صحوة الزمن ) الذي قامت ببطولته الفنانة الكويتية أحلام حسن والتي هي نفسها رفضت التشوه المبالغ فيه في الوجه، أو ناقصة بحيث تبدو هذه هي المرجعية في تعامل الناس الأصحاء في المجتمع مع ذوي الإعاقة..
إن الأعمال الدرامية العربية والخليجية كما يقول الكاتب الدكتور خالد القحص أعطت صورة نمطية سلبية مشوهة عن الشخص ذوي الإعاقة بحيث يبدو المعاق في نهاية المطاف شخصاً سلبياً لا يقدم شيئاً لنفسه أو أسرته أو مجتمعه، بل هو عالة على غيره ولا يستطيع فعل شيء لوحده ، بل أن بعضهم قد يتخذ الشخص المعاق مادة للتندر والاستهزاء أو لاستجداء الضحك..
إن كتاب السيناريو والفنانين وشركات الإنتاج الدرامي يجب أن تهتم بشريحة ذوي الإعاقة وقضاياهم لأنها مغيبة أو تكاد عن الأعمال الدرامية العربية والخليجية، وإذا ما ظهرت شخصية للمعاق فإنها تكون في الغالب شخصية سلبية غير منتجة…
يجب أن يكون للفن والدراما دور أكبر في تناول هذه القضايا الشائكة، فقد تناولت الدراما الخليجية مشاكل الشباب والمخدرات وعقوق الوالدين والتفكك الأسري والمشاكل العاطفية بشكل كبير، إلا أنه لم يتم إلى اليوم تنفيذ عمل درامي يتناول مشاكل المعاقين، بحيث يكون بطل العمل معاقاً استطاع أن يتغلب على إعاقته..
ينبغي أن تقدم الصورة الإيجابية لذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، فهؤلاء الناس يمكن أن يكونوا عباقرة ومبدعين، وقد حدث ذلك بالفعل؛ إذ قامت إحدى عالمات النفس الاجتماعي حول احتياجات ذوي الإعاقة، وكيفية تنمية المهارات عندهم، وتمكنت بالفعل من إخراج مبدعين في مجالات عديدة من خلال بعض النماذج التي انتقتها، وأعدت لها برامج تدريب ورعاية وتأهيل جيدة.
وإذا وقفنا عند المرأة من ذوي الإعاقة العقلية في مسلسلاتنا أو حتى في كثير من أفلامنا العربية، سنجد أن الصورة السائدة عنها هي المرأة المعرضة للاغتصاب دائما أو التحرش الجنسي، ولكن أن تطرح وتعالج بوصفها أنموذجا آخر مغايرا لهذه الصورة النمطية السائدة فذلك لم يتم إلا في حالات استثنائية نادرة كمسلسل ( فضة قلبها أبيض ) مثلا خليجيا وأفلام أجنبية مثل
( أربعة أعراس ) و( جنازة ) لمايك نيويل، وهذا يعكس محدودية المخيلة التي يتعاطى فيها بعض المؤلفين والمخرجين مع هذا النوع من الإعاقة وهو كوميديا لعب فيها المعاق دوراً رئيسياً كشخصية متوازنة وليست مجرد نموذج، كذلك في فيلم ( الأخ الأطرش ) لهيو غرانت، وفيلم ( المجيء إلى المنزل ) (1978 هال آشبي، أمريكا) والذي تم تصويره من مقعد متحرك لتشرح وجهة نظر إنسان معاق يجلس على كرسي متحرك، إضافة إلى فيلم ( فريدا ) (2002 جولي تيمور، أمريكي/ كندي) حيث الشخصية الرئيسية هي فنانة تعيش حياتها وتعبّر عن نفسها رغم إعاقتها حيث كانت الإعاقة جزءا من شخصيتها ومن تعبيرها الفني، ويمكن القول إن الفيلم العربي ( قاهر الظلام ) الذي كان شبه سيرة ذاتية عن حياة طه حسين عميد الأدب العربي الذي مثل دوره محمود ياسين كان ضمن الأفلام الجيدة التي عرضت الشخصية بشكل متوازن وقريبة من الواقع.
وبالرغم من وجود مؤسسات إعلامية رسمية وخليجية في دول مجلس التعاون الخليجي وتطرق أبواب كثيرة من البرامج والمسلسلات التعليمية والتوعوية، إلا أنها لم تعنَ بقضايا ذوي الإعاقة، ولم يتم الالتفات إليهم إلا في مناسبات معينة تعنيهم كيوم المعاق العالمي مثلا، هذا إلى جانب أن أغلب مسلسلاتنا الخليجية لا تحتفي بمشاركة ذوي الإعاقة فيها، وكما لو أنهم عالة على الدراما ومشاركتهم فيها تقليل من أهميتها..
إن صورة المرأة من ذوي الإعاقة ينبغي أن تحظى باهتمام أكبر في الدراما الخليجية، كما ينبغي أن يسلط الضوء عليها إعلاميا بشكل يختلف عما هو سائد إعلاميا عنها، فإذا كان هناك نوع من الاهتمام من قبل الجهات المعنية بذوي الإعاقة بالمسرح، كذلك ينبغي أن يتقاطع هذا الاهتمام مع ذوي الإعاقة في الدراما، فمتى نشهد دراما خليجية يكون للمرأة من ذوي الإعاقة فيها حضور مهم ولافت تأليفا وإخراجا وتمثيلا وإنتاجا؟ .




About Post Author
admin
More Stories
صيام …. صيام..الحلقة السادسة دعوة إلى فطور بحري
العربية٢٤نيوز/ علاء العتابي كيف هي أجواء الحياة عندكم داخل الحيد البحري ، لأبد وأنه ممتع بتشعباته ؛ كم تمنيت...
أصوات في المرايا
العربية٢٤نيوز/حميد الهاشم/ العراق قد يستعيد العقل عقلهُ كاملاً، في لحظة جنون. *؛ بعد مواسمِ العمى، للحكمةِ..عيون تستفيق *؛ قليلاً من...
عند باب القلب
العربية٢٤نيوز/ تمر حنه قرب الوتين بجانب جدار الذكريات.. أمام صمام الوفاء.... صفا على توسلة لي الأحلام.. بأن أكف عن...
حياتي
العربية٢٤نيوز/شتوح عثمان/ الجزائر عندما قرأت سطورا من روحي أيقنت بأن حياتي كذبة تصارع طيف الماضي و تبحث عن المستقبل المبهم...
أَلا يكفيكِ قَلْبي
العربية٢٤نيوز/ عدنان الحسيني ألا يَكفيكِ قَلْبي لديكِ مُرْتَهنُ لتَطلبي منّي مالا عليهِ أتَمَكَّنُ عُودي لضميركِ وَسَائليهِ هَلْ يَسمحُ...
أمي
العربية٢٤نيوز/ عبير الراوي/ سوريا أمي وطن..... بل كل الأوطان... سيدة النساء.... بل سيدة الكون... أحن لصوتكِ.... لعطركِ..... لخبزكِ..... لطبق...
Average Rating