صفا الجبوري
كثيراً ما نسمع ترديد هذا المفهوم بين «النخب» المثقفة وفي وسائل الإعلام منذ فترة ليست بالقصيرة، وفي وضعنا نجد أن المؤسسات الكبرى ومنها البنوك الخاصة والحكومية العراقية والأجنبية تعقد المؤتمرات وتقدم المبادرات في جانب المسؤولية الاجتماعية، ولو أن بعضنا يرى أن تلك المبادرات ليس لها وجود على أرض الواقع، بل إنها تأتي من باب تحسين صورة المنشأة التجارية ومنها البنوك لدى أفراد المجتمع.
حقيقةً، صورة البنوك ليست بالناصعة منذ فترة طويلة، بل إنها جزء من مشكلة الكثير، فهي كما المنشار «طالعة واكلة نازلة واكلة»، همها الربح وليس غير الربح، حتى ولو «مصّت» دم المواطن بقروض ذات فوائد عالية مقارنة بالدول الأخرى، وكلنا نعلم أنها كانت فوائد خيالية، خاصة في فوائد القروض السكنية التي لا تزال مرتفعة بشكل غير معقول، فنجد قيمة الفوائد على تلك القروض في نهاية المدة تصل إلى قيمة القرض نفسه، ولكن كما يقال «العقد شريعة المتعاقدين»، ولكن ماذا قدمت تلك البنوك للمجتمع انطلاقاً من مفهوم «المسؤولية الاجتماعية» على مر السنيين وأرباحها بالبليونات وتزداد كل عام وتخرج من كل أزمة اقتصادية بالمزيد من الأرباح وكلها على حساب جيب المواطن الفقير؟ لم نسمع يوماً أن أحد البنوك قد قدم مثلاً منحاً للطلاب سواء في الداخل أم الخارج في اختصاصات لها علاقة بالمال والأعمال، بل إنها استفادت من خريجي برامج الابتعاث وبرامج الاخلاء الطبي في بيع العملة الصعبة وهذا من حقها المشروع، كما بدأت في السنوات الأخيرة في تجنب توظيف الكفاءات الوطنية بمزايا جيدة، إذ كان الموظف البنكي يحصل على رواتب ومزايا جيدة مقارنة بموظفي القطاع العام أو في الشركات في القطاع الخاص، هذه الأفضلية تلاشت أخيراً عندما لجأت بنوكنا المحلية للتوظيف عن طريق مكاتب توظيف محلية، في حين أن البعض يرد أن ذلك بسبب التقدم التكنولوجي في قطاع البنوك والذي دفعها إلى التقليل من التوظيف، وكلنا يقضي أغلب عملياته المالية عن طريق مواقع البنوك الإلكترونية أو التطبيقات الذكية أو الصرافات، ولكن أين هي إسهامات البنوك الاجتماعية في المجالات الأخرى؟
كنت أتمنى أن تسهم البنوك في مبادرات اجتماعية وتنموية بسيطة، كأن تسهم في بناء وتشيد بعض المكتبات والمراكز الثقافية وبناء حدائق عامة في بعض المدن مثلاً، هناك الكثير من الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني التي تعاني شحاً في مواردها المالية؛ فلماذا لا تبادر البنوك بدعمها وتطلب رقابة مالية مشددة عليها مثلاً، ولكن بعضنا يرى أن طبيعة الشركات وهدفها الرئيس هو الربح، وهو هدف يتناقض مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية، ولكننا نجد في الغرب شركات عملاقة تصرف البليونات من أرباحها في مجتمعاتها المحلية من باب المسؤولية الاجتماعية، إذ قامت كل من مؤسسة ستاربكس وشركة بين أند جيري بدمج المسؤولية الاجتماعية بجوهر أعمالهم، وقاموا بدعم الزراعة المستدامة بشكل فعّال في المناطق بحيث يصدرون مكوناتهم، وعلى العكس تبرعت مؤسسة بيج بوكس ريتيلر تارجت المعروفة أيضاً ببرامج المسؤولية الاجتماعية الخاص بها، بأكثر من بليون دولار من المنح المقدمة إلى المجتمعات التي تعمل بها متاجرها، بما في ذلك منح التعليم منذ عام 2010..
فهل نشهد إقامة ملتقى يعنى بهذا الشأن كان يكون تحت عنوان:ملتقى البنوك العراقية والمسؤولية الاجتماعية والتنموية وفق رؤية التنمية المستدامة
Average Rating