ما الذي يشعل حرائق الغابات؟ اكتشف الأسرار وراء هذه الظاهرة الغامضة!

ما يبدو أنه أحد أسوأ كوارث حرائق الغابات في تاريخ الولايات المتحدة له العديد من الأسباب. قبل أن تشتعل النيران في لوس أنجلوس الأسبوع الماضي، تركت ثمانية أشهر من الجفاف الشديد المناظر الطبيعية المغطاة بالأعشاب جافة تمامًا. هبت رياح سانتا آنا عبر الجبال، مما حولت النيران الصغيرة إلى جحيم وأرسلت الشرر يطير لمسافات بعيدة. تم إحراق ما يصل إلى 12,000 مبنى، وهرب مئات الآلاف من الناس من منازلهم، وتوفي ما لا يقل عن اثنين وعشرين شخصًا.
مع زيادة سرعة الرياح مرة أخرى هذا الأسبوع، تبقى أسئلة رئيسية حول الحرائق بلا إجابة: ما الذي أشعل النيران في المقام الأول؟ وهل كان بالإمكان منعها؟ يعتقد البعض أن حريق إيتون في باسادينا نجم عن أسلاك كهربائية سقطت بفعل الرياح، أو أن حريق باليسيدز قد نشأ بسبب شرر حريق أصغر حدث قبل أسبوع. لكن قائمة المشتبه بهم المحتملين طويلة - حتى محرك سيارة متوقف فوق العشب الجاف يمكن أن يشعل النار.
قالت جينجر كولبرون، المتحدثة باسم مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات الأمريكي (ATF)، الوكالة الرئيسية التي تحقق في سبب حريق باليسيدز لـلوس أنجلوس تايمز: “القفز إلى أي استنتاجات الآن هو مجرد تخمين”. ومن المحتمل أن يستغرق الأمر شهورًا لمعرفة السبب. استغرق المكتب أكثر من عام للتوصل إلى نتيجة مفادها بأن الحريق الذي دمر ماوي في أغسطس 2023 والذي تعرض لرياح قوية مشابهة بدأ بسبب أسلاك كهربائية معطلة.
حتى مع مرور الوقت الكافي، قد تبقى أسباب حرائق لوس أنجلوس لغزًا. وفقًا لدراسة حديثة، لم تتمكن السلطات أبدًا من العثور على مصدر الاشتعال لأكثر من نصف جميع حرائق الغابات في غرب الولايات المتحدة — وهي فجوة معرفية يمكن أن تعيق جهود الوقاية حتى مع زيادة تغير المناخ لتكرار هذه الأحداث القاتلة. إذا تمكنت السلطات من توقع الأسباب المحتملة للحريق، يمكنهم المساعدة في بناء أحياء أكثر مقاومة وتعليم الجمهور كيفية تجنب الحدث القاتل التالي.
قال كوستاس سينولاكيس، أستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا الذي يدرس الكوارث الطبيعية: “إن البحث عن الحرائق صعب للغاية”. وأضاف: ”إنه أصعب بكثير من البحث عن إبرة في كومة قش”. وأوضح سينولاكيس أنه غالباً ما تدمر الحرائق ذات درجات الحرارة العالية مثل تلك التي حدثت في لوس أنجلوس الأدلة. وقال: “لهذا السبب يكون التخفيف من خسائر الحرائق تحديًا كبيرًا”.
يتعاون خدمة الغابات الأمريكية مع علماء الكمبيوتر لمعرفة ما إذا كانت الذكاء الاصطناعي يمكنه المساعدة في حل القضايا القديمة. وقد وجدت دراسة قادها علماء بيانات بجامعة ولاية بويزي ونُشرت هذا الشهر في مجلة مستقبل الأرض أنه تم تحليل الظروف المحيطة بأكثر من 150,000 حالة حريق غابات غير محلولة بين عامي 1992 و2020 ووجدوا أن 80% منها كانت على الأرجح ناجمة عن البشر (سواء بشكل غير مقصود أو متعمد)، بينما كانت الصواعق مسؤولة فقط عن 20%. وفقاً لخدمة الإطفاء بكاليفورنيا (Cal Fire)، تسبب البشر بنسبة 95% من حرائق الغابات بكاليفورنيا.
قالت كارين شورت ، عالمة البيئة البحثية لدى خدمة الغابات والتي ساهمت بالدراسة وتحافظ على قاعدة بيانات تاريخية لتقارير حرائق الغابات الوطنية ، إن فهم لماذا تبدأ هذه الحرائق أمر ضروري لمنعها وتعليم الجمهور بذلك . يبدو أنّ الوقاية الاستراتيجية تعمل : وفقاً للرابطة الوطنية لحماية الحريق ، انخفض عدد حرائق المنازل بنسبة نحو نصف منذ الثمانينات .
في عام 2024 ، وسعت شورت أرشيفها الخاص بحرائق الغابات ليشمل مزيداً المعلومات المفيدة للمحققين مثل الطقس والارتفاع وكثافة السكان وتوقيت الحريق . قالت : “نحتاج إلى تسجيل تلك الأمور ضمن البيانات لمتابعتها عبر الزمن . لا زلنا نتبع بعض الأمور منذ القرن العشرين”.
وفقاً لشورت ، فإن اتجاهات حرائق الغابات عبر غرب الولايات المتحدة قد تغيرت بفعل النشاط البشري . ففي العقود الأخيرة أصبحت إشعال النار الناتجة عن الأسلاك الكهربائية والألعاب النارية والأسلحة أكثر شيوعاً مقارنةً بالنيران الناتجة سابقاًَ بسبب السكك الحديدية ومناشير الخشب .
وجدت الدراسة أنّ المركبات والمعدات هي المسؤولة الأولى على الأرجح ، حيث تسببت بنسبة تصل إلى 21 بالمئة تقريباًمن حرائقت غابة بدون سبب معروف منذ عام1992 . وكان حريق مطار العام الماضي مثالياً لذلك الحدث حيث احترق أكثرمن23,000 فدان . وزادت أيضاً عدد الحرائقت الناتجةعن الإضرام المتعمد والإشتعال العرضي – سواء كان ذلك نتيجة التدخين أو إطلاق النار أو نار المخيم – والتي تشكل نسبة18 بالمئة أخرى . وفي عام2017 اختار زوجان أمريكيان استخدام ألعاب نارية تطلق دخان أزرق للاحتفال بجنس طفلهما مما أدى لإشعال حرقة المنشار ا>, حيث احترق حوالي47,000 فدان .
لكن هذه النتائج ليست نهائية . نماذج التعلم الآلي المستخدمة للدراسة مدربة للتنبؤ باحتمالية سبب معين للحريقة بدلاًمن إثبات حدوث اشتعال معين بالفعل . وعلى الرغممن أنّ نموذج الدراسة أظهر دقة تصل90 بالمئة عند الاختيار بين الصواعق والنشاط البشري كمصدر للاشتعال عندما تم اختباره على حرائقت ذات أسباب معروفة إلا أنه واجه صعوبة أكبر بتحديد أي سلوك بشري محتمل كان مسؤولاً فقط بنصف الوقت .
قال يافار بورمحمد الباحث الدكتوراه بمجال علوم البيانات بجامعة ولاية بويزي والذي قاد الدراسة إن معرفة الأسباب المحتملة للحريقة قد تساعد السلطات بتحذير الناس الذين يعيشون بمناطق عالية الخطورة قبل بدء الحريقة فعليًّا .”قد يعطي ذلك للناس فكرة عما يجب عليهم توخي الحذر منه” قال.”ربما مستقبلاً يصبح الذكاء الاصطناعي أداة موثوقة للعمل الفعلي”.
وقال سينولاكيس الأستاذ الجامعي إن بحث بورمحمد وشورت مهم لفهم كيف تتغير المخاطر ويحثّ على اتخاذ إجراءات استباقية مثل دفن الأسلاك الكهربائية تحت الأرض حيث لا تتعرض للرياح.
“يجب علينا التأكد حقّاًَ بأن مجتمعاتنا تكون أكثر مرونة تجاه تغيّر المناخ”، قال سينولاكيس.”كما نرى مع الظروف القصوى بلوس آنجلوس فإن مجرد مكافحة الحرائع ليس كافيًا “.