لقد أصبح الأمر رسميًا: تعيشون في أحر عام مسجل على الإطلاق!

قبل تسعة أشهر، تحولت المحيطات إلى مياه استحمام. حيث أجبرت درجات حرارة البحر المرتفعة تاريخياً الشعاب المرجانية على طرد الكائنات الدقيقة التي تبقيها حية، مما أدى إلى حدوث رابع حدث لتبييض الشعاب المرجانية على مستوى العالم، والذي أثر على أكثر من نصف جميع الشعاب المرجانية في عشرات الدول. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، توفي العديد منها.
كانت هذه لمحة مبكرة عما سيصبح عاماً مليئاً بعواقب الحرارة القياسية. والآن أصبح الأمر رسمياً: الأسبوع الماضي، عندما كان معظم انتباه العالم متوجهاً نحو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أعلن العلماء من خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي أن عام 2024 هو الأكثر حرارة في السجلات — وهو العام الأول الذي يتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية. وذلك مع بقاء شهرين فقط في السنة.
قالت سامانثا بورغس، نائبة مدير كوبرنيكوس، في بيان صحفي: ”يمثل هذا علامة فارقة جديدة في سجلات درجات الحرارة العالمية ويجب أن يكون بمثابة محفز لرفع الطموحات لمؤتمر تغير المناخ القادم COP29″. وأشارت بورغس إلى أن الإعلان “مؤكد تقريباً” لأنه باستثناء حدث قاسي مثل ثوران بركاني يمنع الحرارة الزائدة من دخول الغلاف الجوي، فإنه يكاد يكون مستحيلاً أن تنخفض درجات الحرارة بما يكفي حتى لا يحطم عام 2024 الرقم القياسي.
وفي ظل هذه الخلفية ينزل زعماء العالم وصناع السياسات والنشطاء إلى أذربيجان لحضور المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف المعنية بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة للترويج لأهدافهم المناخية الجديدة والتفاوض بشأن التمويل للدول الضعيفة المتأثرة بتغير المناخ. وفي بلدانهم الأصلية، لا تزال العديد من تلك الدول تتعافى من الفيضانات والحرائق والكوارث الطبيعية الأخرى التي شهدتها هذا العام. وفي المؤتمر الأخير الذي عقد في ديسمبر 2023 ، اتفقت الحكومات على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بهدف محاولة الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
قال زيكي هاوسفاذر ، عالم المناخ في بيركلي إيرث: “عام 2024 هو الأكثر حرارة المسجل ولا يمكن لأي شيء تغييره الآن”. وبسبب بعض الاختلافات الطفيفة في نموذجهم ، وجدوا أن العام الماضي أيضاً تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية . وأضاف: “الأمر ليس متعلقاً بسنة واحدة تتجاوز ذلك المستوى الـ1.5 . الأهم هو النظر إلى المتوسط الطويل الأمد لمساهمة البشر في تغير المناخ”.
هناك حوالي ست مجموعات تشمل بيركلي إيرث وكوبرنيكوس وناسا تقوم بحساب تقدم الاحتباس الحراري العالمي ولكل منها نهج خاص بها لسد فجوات البيانات منذ بداية القرن عندما كانت السجلات أقل موثوقية مما أدى إلى تقديرات مختلفة حول مدى ارتفاع درجة حرارة الأرض منذ ذلك الحين. يتم استخدام متوسط هذه النماذج بواسطة السلطات العلمية الدولية مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية . قال هاوسفاذر إن هذا هو أول عام يظهر فيه هذا المتوسط الجماعي أيضاً أنه قد تم تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية .
قال أندرو ديسلر ، مدير مركز تكساس لدراسات المناخ بجامعة تكساس A&M : “الـ1.5 درجة ليست رقماً سحرياً . كل درجة لها أهميتها”. لأن كل جزء من نظامنا المناخي له حدود مختلفة لتحمل الحرارة الزائدة ، فإن التغييرات الصغيرة في درجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلى عواقب كبيرة وتدفع النظم البيئية لتجاوز نقاط التحول الخاصة بها . وأضاف: “العالم مصمم وفقًا لمناخ القرن العشرين” ، “ونحن الآن فقط نخرج منه . نحن غير متكيفين”.
لا يمكن للاحتباس الحراري وحده تفسير كل تلك الحرارة الزائدة خلال هذين العامين الماضيين . حيث يمكن اعتبار بعض درجات الحرارة المرتفعة والكوارث التي أثارتها نتيجة لظاهرة النينو القوي – وهي ظاهرة دورية تتمثل بصعود المياه الدافئة في المحيط الهادئ والتي تؤثر على الأنماط الجوية عبر الكرة الأرضية . وعلى الرغم من أنه كان يُعتقد أن دورة النينو الأخيرة ستفسح المجال لنمط اللانينا الأكثر برودة هذا الصيف إلا أن الحراراة استمرت حتى نهاية السنة .
ومتى ما خفت آثار ظاهرة النينو هناك فرصة لأن تعود السنوات القادمة تحت علامة الـ1,5درجة مئوية مرة أخرى . وأشار هاوسفاذر أنه فقط بعد مرور عقد أو أكثر مع بقاء درجات حرارة الكوكب فوق العتبة البالغة 1,5درجة مئوية سيعتبر العلماء اتفاقيات الانبعاثات الدولية قد تم انتهاكها “. وقال : “عام كبير مثل هذا يعطي لنا نظرة سريعة عن كيف سيكون الوضع الطبيعي الجديد بعد عقد أو نحو ذلك”.
والوضع الطبيعي الجديد ليس جميلاً كما يبدو؛ بالإضافة الى الانهيار الواسع للشعاب المرجانية فقد جلب العام موجات حر قياسية شمال القطب الشمالي وجنوبه والتي أدت الى ذوبان الجليد البحري ليصل الى مستويات قريبة جداً من الأدنى التاريخي مما أثار المخاوف بشأن سرعة ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل أسرع مما كان متوقعًا؛ خلال أشهر الصيف تعرض حوالي ملياري شخص – أي ربع سكان الأرض – لدرجات حرارة خطيرة بما فيها91 مليون شخص بالولايات المتحدة ومئات الملايين بآسيا .
وقد غذّت تلك الحرارة الزائدة الكوارث طوال العام؛ حيث اجتاحت حرائق الغابات المميتة أمريكا الجنوبية مشتعلة ملايين الهكتارات عبر حوض الأمازون وتشيلي ؛ كما اشتعلت الغابات القطبية الشمالية الروسية والكندية أيضًا مطلقة كميات قياسية من الكربون الى الغلاف الجوي ؛ وقد أسفر الفيضانات الكارثية عن وفاة المئات بإسبانيا وأفريقيا وجنوب آسيا ؛ ومؤخرًا اجتاح إعصارا هيلين وميلتون المدمران الناتجان عن ارتفاع دراجات حرارية للمحيطات منطقة البحر الكاريبي وجنوب الولايات المتحدة بينما كانت مناطق عدة تعاني الجفاف تقريبًا بكل قارة .
وقال ماكس هولمز رئيس ومدير مركز وودويل لأبحاث تغير المناخ : “إن تلك التأثيرات غير مقبولة؛ فهي تُحسّ بشكل أكبر لدى الأشخاص الأكثر ضعفًا الذين هم عمومًا الأقل مسؤولية”.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة بأذربيجان تُمنح المنظمات مثل مركز وودويل لأبحاث تغير المناخ وصندوق الحياة البرية العالمي منصة للتحدث مباشرةً مع ممثلّي الدول وعرض أبحاثهم حول تغيّر المُناخ؛ هناك يأمل الناشطون بأن تدعم البلدان الغنية التزاماتها لدعم البلدان الفقيرة بمجهوداتها للتعامل مع أزمة المُناخ وتطوير الطاقة النظيفة واستعادة الأنظمة البيئية.
وقال ديسلر : “لا ينبغي للناس التفكير بأن اللعبة انتهت لأننا تجاوزنا الـ1,5درجة”. وأضاف: “اللعبة لن تنتهي أبداً”.
تصحيح: النسخة السابقة لهذا المقال أخطأت كتابة اسم ماكس هولمز.