فرص جديدة ومخاطر في جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في سوريا: هل نحن على أعتاب تغيير حقيقي؟
جهود الأمم المتحدة تركز على مساعدة سوريا في الوصول إلى حل سياسي يضمن الكرامة والحرية والعدالة للشعب. في هذا المقال، نستعرض بعض من أهم الجهود المبذولة على المسار السياسي في سوريا.
2012: جهود السلام
بعد أقل من عام على المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في سوريا في مارس 2011 – ضمن ما يُعرف بالربيع العربي – والقمع العنيف الذي واجهته من قبل السلطات السورية، تم تعيين الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان كمبعوث مشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لتسهيل جهود حل النزاع.
وضع عنان خطة مكونة من ست نقاط تدعو إلى إنهاء العنف وضمان وصول الوكالات الإنسانية للمتضررين والإفراج عن المعتقلين وبدء حوار سياسي شامل والسماح للإعلام الدولي بالوصول إلى سوريا دون عوائق. أيد مجلس الأمن الخطة في أبريل 2012، باعتماد القرارين 2042) و2043)، مما أدى إلى إنشاء بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا (أنسميس) التي انتهى عملها في أغسطس من نفس العام مع تصاعد الصراع.
شهد عام 2012 أيضًا صدور إعلان جنيف خلال اجتماع مجموعة العمل الخاصة بسوريا التي ضمت عددًا من دول منطقة الشرق الأوسط والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، روسيا).
الإعلان – الذي أيده مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة – استند إلى خطة السلام التي وضعها كوفي عنان ووجه جهود الوساطة الأممية نحو الحل السياسي منذ ذلك الحين.
2014: الجمود في جنيف
غادر عنان…في آب/أغسطس 2012، تولى الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي منصبه، حيث شهدت ولايته تصاعدًا كبيرًا في الصراع. في كانون الثاني/يناير 2014، عقد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون مؤتمرًا دوليًا عُرف باسم (جنيف 2)، أعقبه محادثات بين ممثلي الحكومة السورية وقوات المعارضة، والتي سهل الإبراهيمي عقدها.
لكن الجانبين لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق، مما أدى إلى توقف المفاوضات وانتهاء فترة عمل الإبراهيمي في منصبه في أيار/مايو 2014.
2015: اعتماد قرار مهم
أثناء تولي المفاوض الأممي ذو الخبرة الطويلة ستيفان دي مستورا مهمة المبعوث لسوريا، تم التوصل إلى إنجاز يمكن وصفه بالمهم. أدت مباحثات دبلوماسية مكثفة عام 2015 بين روسيا والولايات المتحدة وأطراف دولية رئيسية أخرى إلى إنشاء مجموعة الدعم الدولية لسوريا بهدف بحث كيفية التعجيل بإنهاء الصراع.
أسفرت المحادثات عن اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي وضع جدولاً زمنياً للانتقال السياسي، بما في ذلك المفاوضات حول إنشاء حكومة جامعة وذات مصداقية وحدد عملية وضع الدستور الجديد. كما دعا المجلس في القرار أيضًا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.من سوريا إلى الأردن عام 2014
بعد احتجازه في سوريا لمدة سنتين، تعرض خلالها للتعذيب الجسدي والنفسي، مما خلف تأثيرًا كبيرًا على صحته.
2016: محاربة الإفلات من العقاب
يُعتبر الإفلات من العقاب سمة بارزة للصراع السوري، وقد عرقل جهود حل النزاع ومثّل تحديًا لأحد القيم الأساسية للأمم المتحدة وهو المساءلة. طوال فترة الصراع، عملت الأمم المتحدة على التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ومراقبة أعمال الجماعات الإرهابية.
أكد القرار 2254 الدعوات السابقة للدول الأعضاء بالأمم المتحدة لمنع وقمع الأعمال الإرهابية المرتكبة بشكل محدد من تنظيم داعش في العراق والشام وجبهة النصرة وكل الأفراد والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية. ودعا القرار الأطراف المعنية إلى السماح الفوري بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين إليها والإفراج عن المعتقلين تعسفيًا وخاصة النساء والأطفال.
تم اتخاذ خطوة مهمة للتصدي للإفلات من العقاب في 21 كانون الأول/ديسمبر 2016، عندما أُنشئت الآلية الدولية المحايدة المستقلة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة للمساعدة في التحقيق ومقاضاة أخطر الجرائم وفق القانون الدولي وخاصة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
أصدرت الآلية في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 مع أنباء سقوط نظام الأسد بيانًا صحفيًا أعربت فيه عن الأمل في أن يحصل السوريون على فرصة العيش في بلد يقوم على العدالة وسيادة القانون.
وقالت إن المساءلة بشأن المعاناة الهائلة خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية يجب أن تكون محورية للمناقشات المستقبلية وجهود السوريين والمجتمع الدولي على حد سواء للبدء في التعامل مع تفشي الإفلات من العقاب لكل الفظائع بدءًا من قصف المستشفيات واستخدام الأسلحة الكيميائية والتعذيب المنهجي في السجون الحكومية وصولاً إلى انتشار العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وحتى الإبادة الجماعية.
2024: حقبة جديدة من الأمل وعدم اليقين
مدينة حلب السورية، ديسمبر 2024قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن “سقوط النظام الديكتاتوري” يمثل فرصة تاريخية للسوريين لبناء مستقبل مستقر وسلمي. لكنه أكد على ضرورة القيام بالكثير من العمل لضمان الانتقال السياسي المنظم إلى مؤسسات متجددة.
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون – الذي عُين في منصبه في أكتوبر 2018 – دعا في السابع من الشهر الحالي إلى إجراء محادثات سياسية عاجلة في جنيف لتأمين مستقبل سلمي لسوريا، وقال بعد لقائه مسؤولين من عدد من الدول الرئيسية إنهم دعموا دعوته.
وفي يوم الأحد (8 ديسمبر)، قال للصحفيين إن “هذا الفصل المظلم خلف ندوبا عميقة، ولكننا اليوم ننظر إلى الأمام بأمل حذر لفتح مرحلة جديدة من السلام والمصالحة والكرامة والإدماج لجميع السوريين”.
وفي جنيف، عقد المبعوث الأممي مؤتمرا صحفيا اليوم، حيث شدد على ضرورة عدم وجود أي عقبات أمام الانتقال السلمي. وقال إن سوريا تمر بلحظة فاصلة في تاريخها وإنها تقف عند مفترق طرق يتيح فرصا كبيرة ولكنه ينذر أيضا بمخاطر جسيمة.
وأضاف: “هناك فرصة حقيقية للتغيير ولكن هذه الفرصة يجب أن يمسك بها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي”.