غارات إسرائيلية مفاجئة تضرب ريف حلب: تفاصيل حصرية من الإعلام السوري
بعد 12 عامًا من اندلاع الثورة السورية، وتحديدًا في صيف 2023، خرجت محافظة السويداء عن حيادها الذي انتهجته لسنوات، ليعلو صوت الاحتجاجات في قلب المحافظة ضد النظام السوري.
لم تكن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الدافع الوحيد للنزول إلى الشارع ضد الرئيس السوري بشار الأسد، بل هناك أسباب أخرى تحدث عنها لقناة “الحرة” من ينضوون تحت لواء المعارضة المحلية.
تقع محافظة السويداء في أقصى الجنوب السوري. تحدها محافظتا ريف دمشق من الشمال والشمال الشرقي ودرعا من الغرب، بالإضافة إلى حدود دولية مع الأردن جنوبًا.
ويقدر عدد سكان المحافظة بين 500 و600 ألف نسمة، 90% منهم من طائفة الموحدين الدروز، ويشكلون أغلبية دروز سوريا بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وفي تحقيق تدخل عدسات برنامج “الحرة تتحرى” إلى السويداء للقاء بعض أبنائها وتسليط الضوء على خصوصية المحافظة وأهميتها الجيوستراتيجية وكيف انتقلت من حالة حياد تجاه نظام الأسد إلى غضب شعبي طال دمشق وحلفاءها.
قال عضو لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا هاني ميغالي إنه في عام 2023 “ردد المتظاهرون شعارات لم تُسمع في الشوارع منذ عام 2011 وهم يقولون نحن لا نستفيد من دمشق ونحتاج أن نرى تغييرًا أو إصلاحًا. فهناك نوع من الحصار المفروض على السويداء من قبل الحكومة والمساعدات لا تصل إليها بسهولة”.
قائد تجمع أحرار جبل العرب في السويداء سليمان عبد الباقي قال: “نحن نطالب بدولة عدل ودولة قانون”. وأضاف: “هذا النظام الفئوي المجرم غرق البلد بالمخدرات والطائفيين والقتل والإرهاب. نحن نطالب بالخلاص ومحاكمة بشار الأسد ولن نخرج من الساحات قبل إسقاط النظام المجرم الأسدي”.
تسلسل زمني للحراك الشعبي في السويداء
مع قيام الثورة السورية عام 2011 وبحسب تقارير دولية شهدت السويداء عدة مظاهرات معارضة للنظام ولكن أمام القمع الأمني المتصاعد تلاشى الاحتجاج تدريجيًا.
“الغالبية العظمى أو كامل تلك المحافظة هي من الموحدين الدروز، وبالتالي فإن النظام السوري لا يستطيع الدخول إليها كما فعل مع الكثير من المدن والبلدات الأخرى نظرًا لأنها مكون خالص ولها خصوصية تختلف عن باقي المحافظات ومن الصعوبة بمكان اختراقها”.”على ما يقول الباحث السوري، مصطفى النعيمي لـ “الحرة تتحرى”.
ويلفت الكاتب الصحفي، أيمن الشوفي إلى أن النظام “استطاع إخضاع السويداء خلال السنوات الأولى من الثورة السورية ضده، لكن تدريجياً وجد النظام أنها مسألة شاقة جداً أن يخضع هذه الطائفة”.
وبحلول عام 2013 عادت ملامح التمرد إلى السويداء، على يد رجل دين بارز من طائفة الموحدين الدروز، وهو الشيخ وحيد البلعوس مؤسس حركة رجال الكرامة في السويداء.
وقال البلعوس في خطاباته: “دمنا عم ينزل بكل سوريا، يا بيقدر، يا مع السلامة بدناش إياه. نحن وطنيون أكثر منك. نحن سوريا ما بعناها”.
وجاهر الشيخ البلعوس بمعارضته للنظام وأسس حركة رجال الكرامة التي تعتبر أول فصيل مسلح للدفاع عن أهالي المحافظة.
ويقول الكاتب الشوفي إن “الشيخ وحيد البلعوس قرأ أن هذا النظام لا يؤتمن فاتخذ مواقف معارضة متشددة جداً ورفض مقابلة بشار الأسد”.
وتابع: “استشعر النظام وجود قطب في السويداء، شخصية جدلية قادرة على استقطاب الشباب حولها لا يستطيع هذا النظام أن يضبطها أو يطوعها”.
في الرابع من سبتمبر 2015 قتل الشيخ وحيد البلعوس بعبوة ناسفة.
ويؤكد قائد تجمع أحرار جبل العرب في السويداء عبد الباقي أن الشيخ البلعوس تم اغتياله إذ زرعت “مفخخة على طريق ضهر الجبل ليستشهد الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس وقافلة من الشهداء. وزرعت مفخخة ثانية على باب المشفى الوطني” لتسفر عن إصابة أكثر من 57 شخصاً بين قتيل وجريح بينهم نساء وأطفال.
أبناء السويداء وجهوا أصابع الاتهام إلى النظام وهو ما ينفيه نزار بوش المحاضر السوري في جامعة موسكو.
وقال بوش: “لا أحد يعرف من اغتاله هذا أولاً. وثانياً هناك ربما تكون أيضاً أيدي خارجية من أجل اتهام النظام ومن أجل أن يقوم أهل السويداء ضد النظام”.
وأكد مختصون في الملف السوري لـ “الحرة تتحرى” أن اغتيال المعارضين أسلوب تعتمده دمشق.
ويوضح مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر أن “اغتيال البلعوس محاولة واضحة من النظام للخداع والسيطرة وهو بالضبط التكتيك نفسه الذي استخدم في جميع أنحاء البلاد للسيطرة على المجموعات والفصائل والحركات السياسية التي تشكل تهديداً محتملاً”.السويداء تنتفض ضد النظام السوري
منظمة “مع العدالة” السورية المعنية بكشف مجرمي الحرب أشارت إلى تورط العميد وفيق ناصر، رئيس فرع المخابرات العسكرية في السويداء آنذاك، في الحادث. وقد أدرج العميد ناصر مطلع عام 2012 على لائحة العقوبات الأوروبية، لمسؤوليته عن حالات اعتقال تعسفي وتعذيب في المحافظة، بالإضافة إلى المئات من حالات الخطف والابتزاز.
تلفت دراسة مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية إلى أن “وفيق ناصر استعاض عن التمويل المباشر والخدمات التي اعتاد على تقديمها عبر مؤسسات الدولة بإطلاق يد الميليشيات الموالية في النشاطات غير الشرعية. واستقطبت هذه الطرق فاعلين جددا محليين لهم ارتباطات بعوالم الجريمة الجنائية”.
وقال عضو لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا، ميغالي: “يختطفون أفرادا وغالبا ما يبحثون عن عائلات لديها أقارب في الخارج. هؤلاء هم المستهدفون في كثير من الحالات، إذ تجبر العائلات على البحث عن أقارب مغتربين أو تضطر إلى بيع ممتلكاتها لدفع الفدية. هذا جزء من اقتصاد الحرب في سوريا”.
منتصف عام 2018 شن مقاتلو داعش هجوما داميا على عدة مواقع بمحافظة السويداء وسط اتهامات لدمشق بالتواطؤ وتسهيل عمل التنظيم الإرهابي.تظاهرات في السويداء ودرعا احتجاجًا على الأوضاع المعيشية
شهدت مناطق عدة من محافظتي درعا والسويداء تظاهرات حاشدة احتجاجًا على الوضع المعيشي المتردي. وأشار عبد الباقي إلى أنه تم قطع أجهزة الاتصالات والكهرباء عن السويداء، مما يسهل دخول عناصر تنظيم داعش إلى المنطقة. وأضاف: “أصبحوا يدقون على الأبواب ويذبحون أهلنا”.
وأكد ميغالي أن “المئات قتلوا واختطفت النساء”، مشيرًا إلى أن اللوم يقع جزئيًا على دمشق لعدم تقديمها الحماية، بل إن البعض يشتبه في وجود تعاون بينها وبين التنظيمات الإرهابية.
منذ بداية الصراع، اعتقد البعض أن هناك قنوات اتصال بين دمشق وتنظيم داعش، وأن الطرفين وجدا طرقًا للتعاون عندما كان ذلك مناسبًا لهما. وقد تصاعد غضب أهالي السويداء مع مرور السنوات، حيث ترافق غياب الأمن مع تفاقم الأزمات الاقتصادية التي بلغت ذروتها في شتاء 2022 بعد رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية.
بدأت الاحتجاجات في السويداء كاستجابة للصعوبات الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها السكان. فقد أصبح تأمين الضروريات خلال أشهر الشتاء أكثر صعوبة بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وندرة الوقود. نتيجة لذلك، زاد غضب السوريين داخل البلاد ولم يعد لديهم ما يخسرونه حرفيًا.
وصف الصحفي السوري الشوفي بداية الانتفاضة الحالية بأنها كانت حالة مرعبة جدًا وموجة عارمة من السخط الشعبي والمجتمعي تجاه سياسة النظام، حيث شهدنا تدفقاً استثنائياً للناس يحدث للمرة الأولى.
وفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأميركية، حاول المتظاهرون منتصف سبتمبر 2023 إغلاق مقر حزب البعث في السويداء وجوبهوا برد فعل عنيف من السلطات.
يف من قوات الأمن.
ويصف عبد الباقي ما حصل حينها، وقال “فتحوا علينا الرصاص الحي وقتها” ليقع العديد من المصابين.
وأضاف “كان الناس يخرجون للتظاهر في ساحة الكرامة، ليخرج ما يقارب 300 عنصر بسلاحهم وعتادهم” بهدف “ترهيب الأهالي، ولكن أهلنا ثبتوا وسلمية الاحتجاجات أحرجت النظام”.