عقوبات أميركية صارمة تستهدف كيانات وسفن متورطة في تهريب النفط الإيراني!
حين اندلعت الحرب في قطاع غزة، وُضعت “وحدة الساحات” التي كان يروج لها أطراف المحور الإيراني على “سكّة اختبار”، وسرعان ما انعكست نتائجها على الأرض بصورة أخذت شكلاً مختلفاً أطلق عليه زعيم “حزب الله” اللبناني سابقاً وصف “جبهات الإسناد”.
وفي ظل ما يتعرض له الحزب اللبناني المدعوم من طهران الآن، يتكرر السيناريو ذاته من زاوية “الاختبار”، فيما يتعلق بالتساؤلات حول موقف بقية أعضاء “المحور” والأسباب التي تحول دون انخراطهم مباشرة بهدف “تخفيف الضغط” وتقديم ”الإسناد”.
وتشن إسرائيل لليوم الثالث على التوالي حملة قصف جوي على مناطق عدة في لبنان، وبينما تقول إنها تستهدف بنى تحتية ومنازل يستخدمها “حزب الله” لتخزين الأسلحة والصواريخ، أسفرت ضرباتها حتى الآن عن مقتل أكثر من 550 شخصاً، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية.
ولا تعرف الحدود الزمنية للحملة الإسرائيلية القائمة، وفي المقابل لم تتضح الخيارات التي قد يلجأ إليها “حزب الله”، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، التي اعتبر مرشدها علي خامنئي الجماعة اللبنانية “منتصرة” يوم الأربعاء.
ويرى خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” أن “وحدة الساحات”، منذ دخولها في الاختبار الأول المتعلق بحرب غزة، اتضح أنها “حالة شعور” لم تنعكس على الأرض كما كان يروج لها سابقًا.
ورغم تأكيد آخرين لتلك الفرضية، توضح الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتي أنه يجب التفريق في قراءة السياسة الإيرانية المتبعة في المنطقة بين الفترة التي سبقت وصول الإصلاحيين والرئيس مسعود بزشكيان إلى السلطة والفترة التي تلتها.
قبل وبعد بزشكيان
في ظل سيطرة المحافظين على صناعة القرار في طهران كان دعم حركة “حماس” في غزة واضحًا من خلال تفعيل استراتيجية “وحدة الساحات”، وإن بمستويات مختلفة بناءً على الجغرافيا وفق الباحثة كولوريوتي.
وتشير إلى أن الحوثيين تحركوا في مسارين: البحر والجو. وبموازاة ذلك فتح “حزب الله” خلال الأشهر الماضية جبهة دعم متصاعدة بينما كانت الميليشيات العراقية تشن سلسلة من الهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق.
ولكن مع وصول الإصلاحيين إلى السلطة طرأ تغير واضح في استراتيجيتهم للتعامل مع أدواتهم بالمنطقة بشكل عام كما تضيف الباحثة لموقع “الحرة”.تبر كولوريوتي أن “الإصلاحيين باتوا ينظرون إلى الوكلاء كأداة لدعم مصالحهم وترسيخ نفوذهم الإقليمي وأوراق الابتزاز الدولي”، وأن “توازن سياساتهم في النظر إليهم يعتمد على حجم المنافع بأقل ضرر ممكن”.
ومنذ اليوم الأول للحملة الإسرائيلية على “حزب الله”، شنت ميليشيات عراقية ضمن إطار ما يعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق” هجمات متفرقة بالطائرات المسيرة ضد إسرائيل. وأعلنت الأخيرة اعتراضها بالطائرات الحربية.
ولم يسجل حتى الآن أي هجوم من قبل الحوثيين، رغم أن الجماعة اليمنية المدعومة من طهران سبق أن أطلقت صواريخ بالستية باتجاه تل أبيب.
النظام السوري، من جهته، وبعد اندلاع الحرب في غزة، اتبع سياسة ابتعد فيها كل البعد عما يجري في محيطه، ولا يزال يسير عليها كما بدا خلال اليومين الماضيين بعدما تصاعدت مجريات الحرب في جنوب لبنان بشكل أكبر.
ويقول الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور إن نظرية “وحدة الساحات” كانت قد تحولت بعد الحرب في غزة إلى ما يشبه “جبهة إسناد” لم تترجم تفاصيلها على الأرض بالمنظور العسكري.
وكان أغلب التحركات التي جرت في الساحات (اليمن، العراق، لبنان) أشبه برسائل تحذيرية من جانب طهران. وبقيت كذلك حتى محطة اغتيال إسماعيل هنية، بحسب قدور الذي اعتبر أن الحادثة أكدت فشل “النظرية”.
وبعدما وصلت المنطقة إلى نقطة أصبحت فيها إسرائيل أكثر جدية لفتح عملية ضد “حزب الله”، يضيف الباحث لموقع “الحرة” أن “جبهات الإسناد” انتقلت من حالة الإطلاق العشوائي في اليمن ولبنان إلى الاستهداف الدقيق.
ورغم أن قدور يشير إلى وجود تعاطي مختلف لنظرية “وحدة الساحات” بين فترة اندلاع الحرب في غزة والآن يعتقد أنها أثبتت فشلها على المستوى التشغيلي والفعلي فيما يتعلق بكامل المجريات.
ويضيف الباحث المختص بالشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن أنه منذ اليوم الأول للحرب في غزة غيرت إيران المفهوم الكامل لـ”وحدة الساحات”، خاصة بعد تعزيز الولايات المتحدة قواتها على أكثر من جبهة.
ويعتبر عبد الرحمن أنه جاء هذا التغيير تفادياً لتعرض إيران لأي ضربات ولمنع الخسائر الكبرى عن وكلائها في المنطقة.
3 ملفات تحدد انخراط إيران
الضربات التي يتلقاها حزب الله الآن هي الأقسى منذ الحرب التي خاضها ضد إسرائيل عام 2006.قصف جوي في أعقاب ضربات أسفرت عن مقتل قادة بارزين في الجماعة اللبنانية، وهجمات أخرى استهدفت أجهزة النداء المعروفة باسم “البيجر”.
وفي ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي، ترى الباحثة إيفا كولوريوتي أن هناك ثلاثة ملفات تحدد التدخل الإيراني في هذا الصراع، سواء بشكل مباشر أو عبر أدواتها في المنطقة.
يرتبط الملف الأول بمدى تأثير أي تدخل على النظام الإيراني وبرنامجه النووي. لا شك أن هناك تخوفًا في طهران من أن إسرائيل تنتظر الفرصة المناسبة لضرب هذا البرنامج، وفقًا للباحثة.
وقد يكون التحرك العسكري الإيراني المباشر لدعم “حزب الله” مبررًا لهذه الضربة. وهذا السبب نفسه منع طهران حتى الآن من الوفاء بوعودها بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.
وتتابع الباحثة أن الملف الثاني مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأميركية. إذ يخشى الساسة الإيرانيون أن يؤثر تصعيدهم العسكري المباشر وغير المباشر لدعم “حزب الله” سلبًا على النتائج، مما يزيد من حظوظ دونالد ترامب غير المرغوب فيه في طهران.
وتوضح الباحثة أن الملف الثالث يتعلق بالخوف الإيراني من فتح جبهة جديدة لدعم “حزب الله” في لبنان قد يؤدي إلى خسارة ورقة جديدة بعد خسارة حماس وتضرر قدرات الجماعة اللبنانية.
بعد انهيار “قواعد الاشتباك” بين إسرائيل وحزب الله.. هل من مخرج دبلوماسي؟
تدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتحرق معها كل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين. فقد أصبح جنوب لبنان وبقاعه تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة، بينما وسّع حزب الله نطاق ضرباته الصاروخية إلى حيفا وصفد وعكا وصولاً إلى تل أبيب.
قرار الساحات إيراني
وتؤكد كولوريوتي أن قرار الحوثيين بعدم الرد حتى الآن على استهداف الحديدة هو قرار إيراني، كما هو الحال بالنسبة لقرار الميليشيات العراقية بوقف هجماتها على القواعد الأميركية في سوريا والعراق.
وتعتقد أنه يتم تقديم كلا القرارين بواسطة بزشكيان وحكومته كمبادرة حسن نية لإدارة جو بايدن والديمقراطيين، على أمل إحياء الاتفاق النووي.دخلت كامالا هاريس البيت الأبيض.
يعتبر الباحث ضياء قدور أن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى ستذهب إيران بالمخاطرة من أجل حماية “أثمن ميليشيا” لديها والمتمثلة بـ”حزب الله”؟
ويقول قدور إن “إسرائيل تعمد الآن على تدمير سردية محور المقاومة من خلال قتل العناصر المفصلية واتخاذ إجراءات على المستوى التشغيلي وخطوات مؤلمة”.
وعلى الطرف الآخر، تسود حالة غموض وتردد، الأمر الذي ”خلق ثغرة على صعيد الثقة ما بين المشغل في طهران والوكلاء المنتشرين في المنطقة”، بحسب ذات الباحث.
ويرى الباحث المقيم في لندن عبد الرحمن أن “كل التصريحات الإيرانية تشير إلى أن إيران تريد الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل”.
ويعتقد أيضًا أنها “ستساوم على الأذرع في حال كان الخيار إما حفظ النظام فيها أو بقاء الوكلاء”.
مراهنة على أمرين
مقارنة بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت مراكز أبحاث غربية الحزب اللبناني بـ”درة التاج الإيرانية”.
ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها ”حزب الله”، وزعيمه حسن نصر الله، خلال السنوات الماضية.
وتعتقد الباحثة كولوريوتي أن “المحور الإيراني يعيش أسوأ كوابيسه في المرحلة الحالية”، لكنها وفي المقابل تقول إنه يراهن على نقطتين حتى الانتخابات الأميركية.
ويأمل “المحور” بدرجة أولى أن تكون الحرب على غزة قد أنهكت قوات الدفاع الإسرائيلية وقيدت قدرتها على خوض أشهر من الحرب في لبنان.
وبدرجة ثانية يراهن “المحور” على قدرة حزب الله على الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية وتوجيه اللكمات المضادة التي ستؤثر على الرأي العام الإسرائيلي وتجبر حكومة بنيامين نتانياهو على وقف الحرب بأقل الخسائر.
يشرح ريتش أوتزن، وهو كبير الخبراء الأميركيين في المجلس الأطلسي، أن إسرائيل غيرت الكثير من حساباتها بعد السابع من أكتوبر وترى الآن أن “ضبط النفس وإفلات إيران من العقاب سيمثلان سياسة فاشلة”.
أما بالنسبة لإيران فقد باتت تواجه “معضلة استراتيجية الآن” بعد ارتفاع التكاليف بالنسبة لحماس و”حزب الله”.
وتتمثل هذه المعادلة بخيارين صعبين: إما التدخل لإنقاذهما أو مواجهة العواقب المترتبة عن ذلك.خاطرة بقواتها أو التراجع مع الإضرار بنظرية وآلية إسقاط القوة عبر الوكلاء بالكامل
ويضيف الباحث أن “العملية الحاصلة الآن تهدف إلى تقليل مكانة إيران وحزب الله كجهات عسكرية إقليمية”.
3 مسارات إسرائيلية
تشير جميع التحركات الإسرائيلية من الجو وعلى الأرض إلى أن الحملة القائمة ضد “حزب الله” في لبنان لن تنتهي في المدى القصير.
بينما تضع إسرائيل على رأس القائمة “هدف إعادة سكان المنطقة الشمالية إلى منازلهم”، يشكك مراقبون بإمكانية تحقيق ذلك، حتى لو تضررت قدرات “حزب الله” العسكرية بشكل كبير.
وترى داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات رأي ومحللة سياسية إسرائيلية، أن “الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن تسلك مسارات عدة في المرحلة المقبلة”.
أول المسارات هو تنفيذ عملية محدودة وقصيرة تعمل على تقليص قدرة “حزب الله” على التخطيط وإطلاق النار على شمال إسرائيل بشكل ملحوظ وضرب مناطق أخرى.
أما المسار الثاني فهو التصعيد أكثر، والذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى استفزاز حرب شاملة، وفق ما تقول شيندلين لموقع “الحرة”.
وتضيف أن الخيار الثالث هو “حرب واحتلال جنوب لبنان بعملية برية، مع وجود محتمل طويل الأمد لإعادة تأسيس (منطقة أمنية)”.
وينبغي أن تكون الحدود الرئيسية في كل ما سبق هي مسألة التكاليف التي ستتكبدها إسرائيل في حالة اندلاع حرب شاملة والعائدات المتناقصة إذا كانت الأضرار تفوق المكاسب، بحسب الباحثة.
وتوضح أنه قد تم بالفعل ابتعاد إسرائيل وحزب الله عن موقفهما قبل الثامن من أكتوبر فيما يتعلق بالأعمال العدائية المحدودة.
والآن يبتعد الطرفان عن موقفهما المتصاعد ولكن الخاضع لسيطرة القواعد منذ الثامن من أكتوبر وحتى السابع عشر من سبتمبر (هجمات أجهزة النداء).
وتضيف شيندلين: “في الواقع إن كل المسارات المذكورة أعلاه أكثر خطورة ولا يمكن استبعاد أي منها”.
ووفقًا لما نقله موقع “أكسيوس”، تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على مبادرة دبلوماسية جديدة بهدف “وقف” القتال في لبنان واستئناف المفاوضات بشأن اتفاق احتجاز الرهائن في غزة ووقف إطلاق النار.