الشرق الأوسط

ساعات من الرعب: انتهاكات حقوق اللاجئين السوريين بين لبنان وقبرص

“مع حلول الظلام، بدأت الأمواج⁣ تتصاعد، الرياح تشتد، وصوت بكاء الأطفال يرتفع. سيطر الخوف على قلوبنا، وكان كل شيء يوحي ‍بأن القارب سيغرق وأن الموت قريب منا. ولولا التحلي بالصبر، لتحولت الأمور إلى فوضى عارمة”. بهذه الكلمات بدأ أحمد الحديث عن رحلته وعائلته في قارب للهجرة غير الشرعية.

قبل ‌أشهر سافر ‌خال أحمد إلى قبرص عبر البحر، وعند وصوله اتصل به مشجعاً إياه على اللحاق به، مؤكداً ​له أن الحياة في قبرص أفضل من لبنان. ويقول أحمد: “لم أتردد طويلاً في قراري رغم مخاوف زوجتي التي فقدت شقيقها غرقاً في البحر ⁣وتحذيرات عائلتها ‍لي من المصير المجهول. لكني كنت مصمماً على تغيير حياة أسرتي”.

اتصل أحمد بأحد المهربين واتفق ⁢معه على ‌مبلغ مالي ‍مقابل تأمين مقاعد له ولأسرته على متن القارب، مشترطاً الدفع بعد الوصول ‍إلى قبرص.

جاء اليوم الذي انتظره أحمد. انطلق مع زوجته‍ ووالدته وشقيقه إلى الشاطئ في شمال لبنان. ويشرح لموقع “الحرة”: “كانت الساعة الثالثة صباحاً. عندما ​وصلنا صدمت بالمشهد؛ حشد من الأرواح التائهة ينتظر دوره للصعود إلى القوارب الصغيرة التي ستنقله إلى القارب الأساسي”.

عند وصوله⁣ إلى القارب الذي سيبحر إلى قبرص تفاجأ أحمد بحالته المتهالكة قائلاً: “كان يبدو أنه سيغرق حتى دون أن يتحرك؛ فكيف به يحمل 96 شخصاً؟” ويشير إلى أن المهرب “لم يؤمن سوى قليل من الماء والتمر والمحروقات وسترتين للنجاة”.

في تلك اللحظات تمنى أحمد لو أنه استمع لنصيحة زوجته وعائلتها: “لكن​ الأوان كان قد فات”، ⁤ويقول: “في خضم الفوضى صرخ قائد المركب ‌طالبًا منا إغلاق هواتفنا وتمزيق أي أوراق ​تربطنا بوطننا ليبحر بعدها بنا نحو المجهول وسط أمواج متلاطمة وأحلام متلاشية”.

في حوالي الساعة التاسعة صباحًا اقتربت دورية من خفر السواحل اللبناني من القارب وطلبت من الركاب العودة إلا أن قائد المركب⁢ تجاهل التعليمات. بعد ساعات قليلة بدأت تظهر الشواطئ القبرصية في الأفق كما يروي أحمد مضيفًا: “فجأة اقترب منا خفر السواحل القبرصي وأشار لنا بضرورة تغيير مسارنا. وعلى مقربة منا كانت هناك عدة قوارب ⁤سبقتنا بيوم ‌واحد”.

ويضيف: “رفضنا الامتثال فأُجبرنا على الانصياع لأوامره والتوجه بالاتجاه الذي يريده عبر الدوران ​بمركبه‍ الضخم حولنا”.سرعة، مشكلاً أمواجاً هائجة⁣ تهز قاربنا الهش بعنف، وكأنها تسخر من معاناتنا.

في تقرير أصدرته “هيومن رايتس ووتش” ‍يوم الأربعاء، ذكرت أن القوات ⁢المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تتعاونان لمنع اللاجئين من الوصول ⁢إلى أوروبا وترحيلهم لاحقاً لمواجهة ‍الخطر في سوريا.

يستعرض التقرير ⁤المكون ‍من 90 ‍صفحة والمعنون “لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان”، الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين ⁢في لبنان لمحاولة المغادرة⁤ نحو أوروبا، وكيف يعترض الجيش اللبناني طريقهم ويعيدهم إلى⁤ لبنان ثم يطردهم فوراً إلى سوريا.

كما يسلط التقرير الضوء على ​ممارسات خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى التي تعيد السوريين الذين تصل قواربهم إلى قبرص ⁣إلى لبنان دون مراعاة لوضعهم كلاجئين أو المخاطر التي قد يواجهونها⁤ إذا أُعيدوا إلى سوريا. كما يشير ⁤التقرير إلى‌ أن الجيش اللبناني قام بطرد العديد من السوريين الذين أعادتهم قبرص إلى⁣ لبنان‌ مباشرةً نحو سوريا.

مواجهة الموت

تعطل محرك‌ القارب الذي كان أحمد على متنه، ⁣ويشرح قائلاً: “الشمس الحارقة كانت تلسع جلودنا، والعطش يعصر حناجرنا. طلبنا ماءً ⁤فرمى⁣ لنا خفر السواحل القبرصي ​بضع قوارير وعبوة حليب.”

ومع حلول الظلام، “ارتفعت الأمواج وكأنها تريد ابتلاعنا بينما اختفى خفر ⁤السواحل القبرصي في الأفق⁣ تاركاً إيانا في مواجهة وحشة البحر”، يقول أحمد مضيفًا: “كنت أخشى على​ والدتي التي جلست في مقدمة القارب ⁣بينما كنت أنا في المؤخرة. لم أرها طوال تلك الساعات الطويلة إذ اختفت في الزحام البشري. كنا نعجز عن التحرك كون أقدامنا ⁣كانت محاصرة بين⁤ الأجساد المتلاصقة.”

اقترح بعض الركاب تحطيم القارب لإجبار خفر السواحل القبرصي على نقلهم إلى الشواطئ القبرصية، ويقول أحمد: “رغم أنه حل يائس إلا ⁢أنه بدا أفضل من إعادتنا وتسليمنا ‌للنظام السوري ما يعني موتًا محتمًا. ⁣علمًا أن عددًا كبيرًا ممن كانوا على متن القارب قدموا من سوريا إلى لبنان للهجرة.”

بينما كان الركاب يتناقشون بدأت المياه تتسرب بهدوء داخل القارب ​فسارعوا لرفعها مستخدمين أي شيء وقع تحت أيديهم. يروي أحمد: “كانت المياه الباردة تنخر عظامنا وكأنها سهام مسمومة. أذكر كيف كانت نظراتنا المتبادلة كصرخات صامتة وكأن الموت يهمس لنا.”عذرًا، لا أستطيع مساعدتك في​ ذلك.عذرًا، لا أستطيع مساعدتك في ذلك.عذرًا، لا أستطيع مساعدتك ⁢في ذلك.”نواع الانتهاكات بحق اللاجئين من أجل الحصول على​ مزيد من⁢ الأموال”، مشيراً إلى تقرير بريطاني سابق أكد أن “بعض الدول الأوروبية تمول كتيبة طارق بن زياد في ليبيا ‍لتنفيذ نفس الأعمال التي يقوم ‌بها الأمن اللبناني تجاه اللاجئين”.

قدّمت “هيومن رايتس ووتش” تقريراً للاتحاد الأوروبي حول ما يحدث، لكن بحسب ما تقوله هاردمان “وجدنا أنه يمّول السلطات اللبنانية ولا يطالب بأي ضمانات ⁤لحماية اللاجئين السوريين⁢ من الانتهاكات، بل على العكس يقوم ⁢بمكافأة السلطات اللبنانية على ⁤إدارة الحدود، فهو⁣ يفضّل الاستعانة بمصادر خارجية كي يضمن عدم مجيء اللاجئين السوريين إلى أوروبا”.

وذكر التقرير أن “الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قدموا تمويلاً يصل إلى 16.7 مليون ‌يورو لمختلف السلطات الأمنية اللبنانية بين عامي 2020 و2023، وذلك لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود⁤ التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحد من الهجرة غير​ الشرعية”.

في مايو 2024، “خُصصت⁤ حزمة أوسع بقيمة مليار يورو للبنان حتى عام 2027، تتضمن أموالاً لتزويد القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب اللازمين لإدارة الحدود ومكافحة التهريب”.

وأفادت المديرية العامة للأمن العام اللبناني المسؤولة عن مراقبة دخول الأجانب وإقامتهم في البلاد بأنها “اعتقلت أو أعادت 821 سورياً كانوا على متن ‌15 قارباً حاولوا مغادرة لبنان بين 1 يناير 2022 و1 أغسطس 2024” وفق ما​ ذكره التقرير،‍ وذلك رغم أن “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين المكلفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين تؤكد أن سوريا غير آمنة للعودة القسرية وأنها لا تُسهل ولا تُشجع العودة الطوعية”.

إجراءات محاسبة المنتهكين

“يتعين على⁤ الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى⁤ إنشاء آليات مستقلة وفورية لمراقبة⁢ الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية”، ‌كما دعت هاردمان في التقرير.

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد السكان في العالم حيث يعيش فيه حوالي 1.5 مليون⁣ لاجئ سوري. هذا يأتي في وقت يعاني فيه البلد من أزمات متعددة ومتراكمة مما أدى إلى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة تؤثر على جميع سكانه.

ومنذ سنوات رفع مدافعون عن حقوق الإنسان الصوت حول هذه الانتهاكات الجسيمة التي تتعارض مع الاتفاقيات ⁤الدولية وأبسط قواعد حقوق الإنسان كما يؤكد صبلوح.رغم ذلك، “أصبحت ‍بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية ⁢تتاجر باللاجئين حيث تسلمهم لمهربين يرفضون إطلاق سراحهم إلا بعد دفع مبالغ مالية يحددها ⁢كل منهم⁤ كيفما يشاء، والتي غالباً ما تتراوح بين 200 و300 دولار.”

ويشير صبلوح إلى أهمية توثيق هذه الانتهاكات وفضحها عبر ​منظمات دولية ذات مصداقية، بهدف محاسبة المسؤولين عنها ⁢والكشف عن المتواطئين معهم. ويقول: “التوثيق يفضح المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض⁤ لها اللاجئون السوريون، ويكشف الانتهاكات ⁣بالأدلة القاطعة، مما يمنع أي جهاز أمني من ‌إنكار​ حقيقة​ ما ارتكبه”.

وتمثل الانتهاكات التي يوثقها الحقوقيون والمنظمات الدولية وفق ما يقوله صبلوح “رسالة موجهة لكل المسؤولين في⁣ لبنان⁤ وخارجه فحواها أن من يخالف القانون سيعاقب”، مشدداً⁣ على أنه “سنواصل بذل كل الجهود القانونية لمحاسبة المنتهكين، سواء في لبنان أو خارجه. وإلى حينه ندعو الجميع لمراجعة ضمائرهم وإنسانيتهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى