التكنولوجيا

تسلسل الجينوم يكشف أدلة جديدة حول انهيار مجتمع جزيرة الفصح!

بعد فترة وجيزة من وصول ⁤الأوروبيين إلى​ الإقليم النائي في المحيط⁤ الهادئ الذي أطلقوا عليه اسم جزيرة الفصح، نشأت​ رواية‌ حول‍ الناس الذين وجدوا هناك. وفقًا لهذه القصة، استنفد السكان موارد الجزيرة، مما دفعهم إلى أكل لحوم‌ البشر وانهيار سكاني​ حاد، وغالبًا ما ⁢يُشار إليه بالانتحار البيئي. تشير تحليلات جديدة للحمض النووي لبعض سكان الجزيرة التاريخيين إلى قصة ​مختلفة تمامًا.

باستخدام التأريخ بالكربون المشع وتسلسل الجينوم، توصل فريق بحثي يضم ج. فيكتور مورينو-مايار، عالم​ الوراثة من جامعة كوبنهاغن، إلى أن سكان رابا نوي (كما ‍تُعرف الجزيرة الآن) ⁣لم​ يشهدوا مثل هذا الانخفاض الدراماتيكي. كما وجد الفريق معلومات مفاجئة عن أسلاف شعب رابا نوي قد تؤثر بشكل كبير على فهمنا لكيفية تفاعل واختلاط السكان قبل الاستعمار.

أظهرت الأبحاث الأثرية⁣ السابقة أن رابا نوي استوطنها أولاً شعوب بولينيزيا حوالي عام 1250 ميلادي. على مدى ‌الخمسة قرون التالية، طور أحفاد هؤلاء الأشخاص ما أصبح يعرف بثقافة الرابانوي التي ⁣تشتهر بالتماثيل الضخمة ذات الوجوه الحجرية المعروفة باسم موآي (للتوضيح: “رابانوي” تشير إلى الناس بينما “رابي نوي” تشير إلى الجزيرة).

لسنوات عديدة كانت النظرية السائدة هي أنه⁤ مع زيادة عدد سكان الجزيرة​ ليصل ذروته حوالي 15,000 نسمة، قاموا بإزالة الغابات مما أدى إلى نقص⁣ الغذاء. ونتيجة لذلك انخفض عدد السكان ليصبح فقط 3,000 عندما وصل ⁣الأوروبيون. في السنوات الأخيرة⁤ بدأت الأدلة تتزايد على أن هذا لم يكن صحيحًا، بما في ذلك تحليل الأدوات المستخدمة من قبل الرابانوي التي تشير⁤ إلى وجود مجتمع مزدهر خلال الفترة الزمنية المفترضة للانهيار.

تضيف ⁤التحليلات الجديدة للحمض النووي التي نُشرت اليوم‌ في مجلة ⁣”Nature” دعمًا إضافيًا للروايات المتزايدة المضادة لهذا السرد التقليدي. أعاد الباحثون بناء ⁢الجينومات باستخدام عينات من 15 بقايا بشرية يُعتقد أنها⁣ تعود لأفراد عاشوا قبل عام 1860. باستخدام هذه البيانات تمكنوا من استنتاج مدى‌ قرب علاقة‌ شعب رابا Nui عبر الزمن. بينما​ كان هناك انخفاض طفيف للسكان خلال الفترة المحيطة ‍باستيطان الجزيرة ، أظهرت الأدلة نموًا تدريجيًا عبر الزمن دون⁢ حدوث انفجار سكاني كما كتب ​العلماء.

تشكل النتائج أحدث ‌ضربة⁣ للرواية القائلة إنه عندما جاء الأوروبيون لأول ‌مرة إلى رابا Nui ،⁢ “وجدوا مجتمعاً بائساً مع ‍بقاء عدد قليل فقط بعد الإفراط في الاستهلاك والعنف⁤ وأكل لحوم البشر خلال القرن السابع​ عشر”، كتب ستيفن شيفلز وكاثرينا نايجل من معهد ماكس بلانك لعلم الأنثروبولوجيا التطورية في مقال مصاحب ​بعنوان “الأخبار​ والآراء”. “تنضم النتائج الأخيرة إلى كمية متزايدة من ⁣الأدلة التي تشير بأن رابا Nui يمكن أن تدعم بالفعل⁢ عدد كبير من السكان رغم التغيرات البيئية.”

قارن شيفلز ونايجل بين الانهيار المفترض لرابا Nui⁢ وصراع البشرية⁢ الحالي مع تغير المناخ. بدلاً من سرد اليأس ، كتبوا أنه ⁢ربما يمكن لرابا Nui تقديم “قصة​ مليئة بالأمل حول مرونة ⁤البشر وقدرتهم على تعلم إدارة الموارد ‌بشكل مستدام أمام التغيرات البيئية.”

كانت نتيجة أخرى تم‌ تقديمها في الورقة الجديدة مفاجئة بنفس‍ القدر أيضًا؛ حيث لم تجد التحليلات⁢ السابقة للحمض ⁣النووي لبقايا الرابانوي أي علامات‍ للجينات الأمريكية الأصلية . ⁣ومع استخدام⁣ تسلسل الجينوم الكامل الأكثر شمولاً ، وجد علماء الوراثة ​أدلة على ⁤أن الراباني بدأو إنجاب الأطفال مع ‍الأمريكيين ⁤الأصليين ⁤بين عامي 1336 و1402 ⁢- بعد وصولهم للجزيرة وبقرون قبل وصول الأوروبيين إليها . إجمالاً ، يمكن تتبع ‍حوالي 10% من الحمض النووي لأشخاص أصليين لساحل أمريكا الجنوبية .

ما يزال​ غير ⁤واضح هو كيفية وصول هؤلاء الأشخاص القادمين من القارة ⁣الأمريكية لتلك المنطقة؛ إذ تبعد جزيرة رَبا⁣ نوِي أكثر من 1,180 ​ميلاً (1,900 كيلومتر) عن أقرب جزيرة مأهولة بالسكان مما يجعلها واحدةً مِن أكثر الأماكن المأهولة ⁣نُدرةً على وجه الأرض . ورغم أنها جزء⁤ تقنيٌّ مِن تشيلي‌ إلا أنها تبعد عن البر‌ الرئيسي بمسافة تصل لـ2,290 ميلاً ‍(3,686 كيلومتر).

هناك ملاحظة مهمة بشأن الدراسة وهي كيف حصل​ الباحثون ⁢على العينات؛ فقد تم أخذ الحمض النووي​ مِن بقايا‍ بشر تم إرسالها لمتحف⁢ باريس ⁣خلال القرن التاسع ⁤عشر . ومن المفهوم تمامًا ​أن هذه الممارسة الاستعمارية مثيرة للاستياء والقلق وقد حرص علماء الأنثروبولوجيا على تناول ذلك ضمن عملهم؛ حيث أوضح ⁤الباحثون أنهم عملوا مع مجتمعات رَبا نوِي للحصول ⁢على موافقة ‌لفحص البقايا البشرية . وفي تحليلهم وجد العلماء أن البقايا البشرية ⁤مرتبطة بالراباني المعاصرين وهو اكتشاف يأمل الباحثون بأن يؤدي لاحقاً لإعادة تلك العينات⁣ لوطنها ​الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى