منظمة تكشف عن الكارثة: كيف تؤثر ارتفاع درجات الحرارة على مستقبل أفريقيا؟
ما هي “العقيدة النووية الروسية”؟ وماذا يعني تعديلها؟ تساؤلات طرحت بعد إعلان موسكو نيتها إدخال تعديلات على تلك العقيدة في ظل الحرب في أوكرانيا، ونجاح القوات الأوكرانية في السيطرة على مناطق من الأراضي الروسية.
وفي يوم الأحد، نقلت وكالة تاس للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قوله إن روسيا ستدخل تعديلات على عقيدتها النووية ردًا على تصرفات الغرب بشأن الصراع في أوكرانيا.
ولم يوضح ريابكوف ما الذي سيترتب على هذه التغييرات، لكن تصريحه يعد “الأكثر حسماً” حتى الآن بشأن المضي قدماً في “تغيير العقيدة النووية الروسية”، وفقاً لوكالة رويترز.
ما هي “العقيدة النووية الروسية”؟
هناك تسع دول فقط حول العالم تمتلك أسلحة نووية وهي: روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، بريطانيا، الهند، باكستان وكوريا الشمالية. بالإضافة إلى إسرائيل التي لم تؤكد ولم تنف أبداً حيازتها السلاح النووي.
تمتلك روسيا أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم بما يقارب 6000 رأس حربي.
تنص العقيدة النووية الروسية الحالية على استخدام روسيا للأسلحة النووية ”في حالة وقوع هجوم نووي من قبل عدو أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة”، وذلك وفق مرسوم أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2020.
يوضح الخبير الاستراتيجي الروسي أندريه مورتازين أن العقيدة النووية الروسية تنص على استخدام السلاح النووي في حالتين. الحالة الأولى هي تعرض روسيا لـ”هجوم نووي”، مما يستدعي “الرد الجوابي”. والحالة الثانية هي تعرض كيان الدولة الروسية لـ”خطر وجودي”، حسب حديثه لموقع ”الحرة”.
ولا يوجد تفسير محدد لمعنى تعرض الدولة لـ”خطر وجودي”، ولا يتم تحديد ماهية تلك التهديدات الوجودية كما يضيف الخبير الاستراتيجي الروسي.
من جانبه يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد ركن أحمد رحال أن هناك أربعة أسباب قد تدفع روسيا لاستخدام السلاح النووي وفق العقيدة الروسية. تتعلق تلك الحالات بتهديد كيان الدولة حتى لو باستخدام “أسلحة تقليدية”، وإذا تم توجيه ضربات باستخدام “صواريخ باليستية”، أو التعرض لضربات نووية مباشرةً أو التعرض لمخاطر تتعلق بـ”السلاح الكيمياوي والبيولوجي”.
ما وراء “الإعلان الروسي”?
أشار نائب وزير الخارجية الروسي إلى أن قرار تعديل العقيدة النووية مرتبط بمسار التصعيد الذي ينتهجه الغرب تجاه الصراع القائم.”خصومنا الغربيون”، فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا.
في الشهر الماضي، باغتت أوكرانيا موسكو باختراق حدودها الغربية من خلال توغل لآلاف القوات التي لا تزال روسيا تكافح لصدها.
يربط مدير مركز خبراء “رياليست” الروسي، عمرو الديب، إعلان روسيا تغيير “مبادئ العقيدة النووية” بالتوغلات الأوكرانية في إقليم كورسك. ويعتبر التوغل الأوكراني في كورسك من “المرات القليلة جداً التي تم فيها الاعتداء على أراضي روسيا ما بعد الحرب العالمية الثانية”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير إلى أن التوغل الأوكراني دفع المسؤولين الروس لبحث “تغيير العقيدة النووية الروسية، بما يعطي الحق للسلطات في روسيا باستخدام السلاح النووي من أجل صد العدوان على الاتحاد الروسي ودرء الضرر عنها”.
ويشدد على أن طول أمد الحرب ومد الغرب لأوكرانيا بأحدث الأسلحة جعل كييف “تتجرأ وتحتل مناطق روسية في إقليم كورسك”. ويؤكد الديب أن استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا “يعمل على إضعاف الداخل الروسي”.
وتغيير العقيدة مرتبط بـ”جرأة أوكرانيا وتوغلاتها بالأراضي الروسية”، ولذلك يجب أن يكون هناك “رد حاسم وغاشم” حتى لا تتكرر تحركات أوكرانية مماثلة تكون لها نتائج سلبية على الداخل الروسي، وفق مدير مركز خبراء “رياليست”.
لكن من جانب آخر، يتحدث الباحث في الشأن الروسي نبيل رشوان عن تكرر “تهديد المسؤولين الروس باستخدام السلاح النووي منذ بداية الحرب في أوكرانيا”. وأصبح التلويح باستخدام الأسلحة النووية أمرًا متكررًا ومعتادًا، وشروط استخدام روسيا للسلاح النووي غير موجودة حاليًا، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشدد رشوان على أن التوغل الأوكراني في كورسك لا يهدد كيان الدولة الروسية وجوديًا، لكن التلويح بالنووي يكشف عن حجم معاناة الجيش الروسي خلال الحرب بأوكرانيا.
وروسيا تجد صعوبة كبيرة في طرد القوات الأوکرانیة من کورسک، وهناك ما لا يقل عن 3000 جندي روسي محاصرون هناك بلا دعم لوجستي أو عسكري.
اتساع نطاق الحرب في أوکرانیا؟
تتهم موسكو الغرب باستغلال أوکرانیا لشن حرب عليها بالوكالة بهدف إنزال هزيمة استراتيجية بروسيا وتفكيكها. وتنفي الولايات المتحدة وحلفاؤها ذلك قائلين إنهم يساعدون أوکرانیا للدفاع عن نفسها ضد حرب عدوانية ذات أسلوب استعماري تشنها روسيا.تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعم العسكري لأوكرانيا بطرق لم يكن من الممكن تصورها عند بدء الحرب، بما في ذلك إرسال دبابات وصواريخ بعيدة المدى ومقاتلات من طراز إف-16.
يشير الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء ركن أمين مجذوب، إلى “استنزاف روسيا تمامًا في الحرب بأوكرانيا”. ويضيف أن الاقتصاد الروسي قد “تدهور”، وأن أوكرانيا فاجأت روسيا بـ”هجمات برية، ومن خلال الطائرات المسيرة والطائرات الهجومية الحديثة من طراز إف-16″، مما جعل روسيا في “موقف دفاعي أكثر من كونه هجومي عند بداية الحرب”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
يعتقد مجذوب أن الإعلان الروسي هو محاولة لـ”إيقاف الاستنزاف الاقتصادي والعسكري”، وإبعاد شبح الهزيمة عن روسيا بعد تزويد الغرب لأوكرانيا بأحدث الأسلحة.
ويتفق معه العميد رحال الذي يتحدث عن ”معاناة الجيش الروسي في أوكرانيا”، لكنه يؤكد أن الحرب لن تخرج عن نطاق الأراضي الأوكرانية. ولا مصلحة لبوتين في توسيع رقعة الحرب، كما أنه لا توجد لدى روسيا “القدرات الكافية” لنشر الجيش على أكثر من جبهة واحدة؛ فهو يعتمد على الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية ويجلب “مرتزقة” من سوريا ويفتح مركزًا في الجنوب السوري للتجنيد لإرسالهم للحرب في أوكرانيا.
ويؤكد العميد رحال أن بوتين يواجه مشكلات كبيرة وهو “غير قادر على توسيع نطاق الحرب بالأسلحة التقليدية أو النووية”، وبالتالي فإن هذا يعدّ نوعًا من التهديد.
من جهة أخرى، يؤكد مورتازين أن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هم الذين يحاربون روسيا في أوكرانيا، مما يدفع موسكو إلى “الرد الوجوبي على تهديد كيان الدولة الروسية”. ويعتقد الخبير الاستراتيجي الروسي أن روسيا ستعدل عقيدتها النووية لتكون هناك “ردود نووية وجوبية” على دول الغرب والولايات المتحدة إذا تم تهديد سلامة الأراضي الروسية.
وفي حال تعرض كيان الدولة الروسية للتهديد فإن الرد سيكون بشكل مباشر ضد الولايات المتحدة لأنه لا يمكن استخدام السلاح النووي ضد روسيا إلا بموافقة أميركية، وفق ما ذكره الخبير الاستراتيجي الروسي.
ويتفق معه الديب الذي يرى أن الإعلان الروسي يمثل تمهيدًا لتوسيع رقعة الحرب في أوكرانيا. وإذا بدأت روسيا باستخدام أسلحة نووية سنكون أمام “بداية رسمية للحرب العالمية الثالثة”، وفق مركز خبراء “رياليست” الروسي. ويتحدث الديب عن صراع غربي…روسيا ”ساخنة ومباشرة” في أوكرانيا، ما قد يدفعها لاستخدام “أسلحة نووية تكتيكية” هناك.
وإذا استخدمت روسيا السلاح النووي، فإن بولندا ودول بحر البلطيق قد تكون “هدفا لروسيا في القريب”، حسبما يقول الديب.
هل تستخدم روسيا فعلاً “السلاح النووي”؟
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، لمح بوتين مراراً وتكراراً إلى إمكانية استخدام بلاده السلاح النووي في مواجهة الغرب الذي يمد كييف بالدعم العسكري.
وقد أصدر بوتين منذ ذلك الحين سلسلة من التصريحات التي يعتبرها الغرب “تهديدات نووية”، كما أعلن عن نشر “أسلحة نووية تكتيكية روسية” في بيلاروس.
وتملك روسيا والولايات المتحدة معًا 90 بالمئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم.
لذلك، يشير العميد رحال إلى اعتقاد بوتين أنه ”يحارب الناتو وليس كييف”، مما يدفعه لـ”التلويح باستخدام النووي”.
وفي ظل احتلال كورسك ووقوع محطات نووية تحت سيطرة القوات الأوكرانية ومد دول الغرب لكييف بـ”السلاح والمعلومات الاستخباراتية”، يرفع بوتين “بطاقة السلاح النووي ويهدد بتغيير العقيدة النووية”، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.
وإذا استخدمت روسيا السلاح النووي فسوف يكون هناك رد من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا باستخدام الأسلحة النووية. لذلك فإن “بوتين يهدد من أجل حث الغرب على وقف الدعم لأوكرانيا، لا أكثر”، حسبما يضيف العميد رحال.
ومن جانبه، لا يعتقد رشوان أن موسكو ستستخدم السلاح النووي لأن الاستخدام سيكون “مضرًا بروسيا”. فهناك جنود روس هناك وجنوب غرب روسيا متداخل مع الأراضي الأوكرانية، مما قد يؤدي إلى تلوث أرض روسيا.
وإذا استخدمت روسيا أي سلاح نووي فسوف تفقد حليفين كبيرين وهما الصين والهند بعد رفضهما أي تحركات نووية روسية، وفق الباحث بالشأن الروسي.
ويتفق معه اللواء مجذوب الذي يؤكد أن الغرب لن يتردد في استخدام القوة النووية للرد على أي هجوم نووي روسي.
وإذا بدأت روسيا باستخدام السلاح النووي، فإن موسكو تعلم جيدًا أنها ستتلقى الضربة الثانية من خمس جبهات ولن تستطيع صد الضربة وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.
كما وصف مجذوب الإعلان الروسي بأنه تصريحات إعلامية تهدف إلى التهويل بعدما دخلت روسيا حربًا لم تكن مهيأة لها جيدًا اقتصاديًا وعسكريًا وتحدت الغرب بالكامل ولا تستطيع حاليًا الصمود أمامه.