الكوليرا تضاعف معاناة السودان بعد الفيضانات المدمرة: أزمة إنسانية غير مسبوقة!
شكل إعلان هيثم محمد إبراهيم، وزير الصحة السوداني، يوم السبت الماضي، عن تفشي مرض الكوليرا في البلاد، حلقة جديدة في مسلسل تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، والتي تتدهور باستمرار منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.
وقال الوزير، في مقطع فيديو نشرته وزارة الصحة السودانية على حسابها بمنصة إكس: “نعلن أن هناك وباء الكوليرا في السودان نتيجة للأوضاع البيئية والماء غير الصالح للشرب في عدد من المواقع”، مشيرًا إلى أن قرار الإعلان اتخذ “بحضور كل المعنيين على المستوى الاتحادي ووزارة الصحة في ولاية كسلا ووكالات الأمم المتحدة وعدد من الخبراء” بعد “عزل المايكروب خلال الفحص المعملي وثبت أنه كوليرا”.
وشهد السودان هذا الشهر فيضانات مفاجئة ضربت ولايات الشمال وخلفت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. عانت مناطق شاسعة من أمطار وفيضانات هي الأكبر منذ سنوات طويلة، واجتاحت السيول مناطق ظلت عشرات السنين خارج خريطة المناخ الممطر. وقد زادت الظروف المناخية من سوء أوضاع عشرات آلاف الأسر وأدت إلى انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية أن ولايتي كسلا والقضارف شرق البلاد هما الأكثر تضررًا من وباء الكوليرا بسبب الأوضاع البيئية السيئة والمياه غير الصالحة للشرب. وكشف وزير الصحة السوداني أول أمس الأحد عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بالكوليرا إلى 354 حالة بينما بلغ عدد الوفيات 22.
وأشار الوزير أيضًا إلى تسجيل انخفاض في عدد الإصابات الجديدة بمدينة كسلا مقابل ارتفاع طفيف بولاية الخرطوم. كما أشار إلى أن السلطات أطلقت حملة لمعالجة الأوضاع البيئية وتوفير مياه الشرب للمناطق المتضررة بالوباء بالإضافة إلى حملات توعية للمواطنين حول الاشتراطات الصحية ومتطلبات الوقاية.
وأكد التواصل مع المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة لطلب لقاحات الكوليرا مشيرًا إلى أنه من المتوقع وصول تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى السودان الأسبوع المقبل لتقييم الأوضاع الصحية هناك. وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها عن تفشي الكوليرا بالسودان.منذ بدء النزاع المسلح، تم الإعلان في سبتمبر الماضي رسمياً عن تفشي وباء الكوليرا في ولاية القضارف، لتبلغ بعد ذلك سبع ولايات أخرى عن حالات مشتبه فيها. وقد أشارت تقديرات إلى أن أكثر من 3 ملايين شخص معرضون لخطر الإصابة بالعدوى، وفقاً لبيان منظمة الصحة العالمية في نوفمبر الماضي.
وقال بيان لمدير إقليم شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، صدر في نوفمبر الماضي، إن المنظمة الدولية تعمل مع شركائها والسلطات الصحية لتسريع جهود الاستجابة بهدف تفادي حدوث مزيد من التفشي. تشمل هذه الجهود تدريب الأطباء وطواقم التمريض على التدبير العلاجي لحالات الكوليرا وطرق الوقاية ومكافحتها.
وبحسب البيان، فقد أرسلت المنظمة بالفعل 3.2 طن متري من مجموعات أدوات علاج الكوليرا، بما في ذلك الأدوية واللوازم والمعدات المختبرية. كما أنها تقدم الدعم الكامل لـ10 مراكز لعلاج الكوليرا في ولايات القضارف والجزيرة والخرطوم. وفي 14 نوفمبر الماضي، وصلت دفعة تضمنت 2.9 مليون جرعة من اللقاح الفموي المضاد للكوليرا لحملة أُطلقت بحلول نهاية الشهر في ست مناطق محلية بالقضارف، ولاحقاً في منطقة محلية واحدة بالجزيرة ومنطقتين محليتين بالخرطوم. ويعاني القطاع الصحي في السودان بشكل عام من مشاكل كبيرة زادت بسبب استمرار النزاع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي أبريل الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية من أن مستشفيات السودان على شفا الانهيار، مشيرة إلى أن ما بين 70 إلى 80 بالمئة من مستشفيات الولايات التي تشهد مواجهات مسلحة قد تتوقف عن العمل بشكل كامل تقريباً إما بسبب الهجمات التي تستهدفها أو لنقص المستلزمات والتجهيزات الطبية ونقص العمالة.
وقبل ذلك وتحديداً في أواخر نوفمبر 2023، كشف مدير إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية عن أن 11 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية عاجلة بينما يواجه أكثر من 20 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي ويعاني كل طفل دون سن الخامسة بالسودان من سوء التغذية الحاد. وفي مارس الماضي أكد تيدروس أدهانوم غيبريسوس مدير منظمة الصحة العالمية أن الوضع الصحي والإنساني بالسودان يقترب من “الكارثة”، داعياً لزيادة المساعدات الإنسانية.
وأكد هيثم محمد إبراهيم وزير الصحة السوداني سابقًا أن “حجم الدمار والتخريب الذي تعرض له القطاع الصحي داخل البلاد يُقدّر بـ11 مليار دولار”.أشار إلى أن “75 في المئة من المستشفيات البالغة 702 مستشفى، منها 540 تابعة لوزارة الصحة، تعمل جزئياً، إذ تعرضت للتخريب وسلب ونهب الأجهزة والمعدات الطبية والشبكات. كما أن هناك بعض المستشفيات في إقليم دارفور ومستشفى مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة قد دمرت كلياً”.
ودعت الأمم المتحدة، مطلع الشهر الجاري، المانحين الدوليين إلى زيادة دعمهم المالي “بشكل عاجل” لمنع حدوث مجاعة في السودان.
وأكدت كليمنت نكويا سلامي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان، في بيان لها الحاجة إلى التدخل العاجل في ظل تأكيد الخبراء على ظروف المجاعة التي يعاني منها السودان. وقد ناشدت المجتمع الإنساني بتوفير الموارد العاجلة والوصول الإنساني دون عوائق بعد تقرير جديد يؤكد وجود ظروف مجاعة محلية في شمال دارفور.
وكان تقرير للجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قد أوضح أن “الصراع المستمر في السودان أعاق بشدة وصول المساعدات الإنسانية ودفع بمخيم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور إلى براثن المجاعة”.
وعن هذا التقرير، أشارت المنسقة الأممية إلى أنه “يعكس خطورة الوضع الإنساني على الأرض”، مشددة على أن “استمرار الصراع تسبب في النزوح وتعطيل الخدمات الأساسية وتدمير سبل العيش وتقييد الوصول الإنساني بشدة”.
ونوهت إلى أن الأمم المتحدة والأطراف الشريكة لها عملوا على توسيع نطاق الاستجابة خلال الأشهر الماضية “لكن الاحتياجات هائلة ولا توجد لحظة نضيعها”. وأوضحت أنه ينبغي على المانحين زيادة دعمهم المالي بشكل عاجل لمنع انتشار المجاعة واسعة النطاق واستخدام الوسائل الدبلوماسية للدفع نحو فتح الوصول الإنساني. وإن لم يحدث ذلك فسوف نشهد أوضاعاً أكثر كارثية.
وذكرت أن ظروف المجاعة مستمرة في مخيم “زمزم” للنازحين منذ يونيو الماضي ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. كما رجحت مواجهة الناس لظروف مماثلة في منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة بمنطقة الفاشر بشمال دارفور وخاصة مخيمي “أبو شوك” و”السلام”.
كما لفتت كليمنت نكويا سلامي الانتباه إلى مواجهة السودان أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي حيث يعاني أكثر من نصف سكانه من الجوع الحاد. ويشمل ذلك أكثر من 8.5 مليون شخص يواجهون مستويات طارئة من الجوع بالإضافة إلى أكثر من 755 ألف شخص يعيشون تحت ظروف كارثية في مناطق أخرى بالولايات المختلفة.
تواجه مناطق دارفور وشمال كردفان والنيل الأزرق والجزيرة والعاصمة الخرطوم أزمة صحية خطيرة بسبب انتشار الكوليرا.
يُذكر أن الكوليرا هي عدوى إسهالية حادة تنتج عن تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا. يتسبب هذا المرض في الإسهال والجفاف الشديد، مما قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات قليلة، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وأفادت منظمة الصحة العالمية أنه تم الإبلاغ عن 307433 حالة إصابة بالكوليرا و2326 حالة وفاة في 26 دولة خلال الفترة من بداية العام الجاري حتى 28 يوليو الماضي.
تقدّر الأمم المتحدة عدد النازحين داخل السودان بسبب القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 بأكثر من 10.7 مليون نسمة، بينما بلغ عدد اللاجئين إلى الخارج حوالي 2.3 مليون نسمة. وبحسب إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، فإن الأطفال يشكلون نسبة 50 بالمئة من النازحين داخل البلاد ويعانون من ظروف صعبة للغاية.