القاهرة وواشنطن بعد الانتخابات: شراكة استراتيجية مع تباينات تحت السيطرة!
لم تتوقف العمليات العسكرية العراقية للقضاء على جيوب تنظيم داعش في مرتفعات حمرين طيلة السنوات الماضية. وفي أحدث عملية عسكرية، نفذت طائرات F16 التابعة للقوات الجوية العراقية، في 30 أكتوبر الماضي، أربع غارات جوية استهدفت مواقع للتنظيم في مرتفعات حمرين.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في بيان “شرعت قوة أمنية مشتركة من القوات الخاصة بالجيش العراقي مع مفارز مديرية استخبارات كركوك والجهد الهندسي للفرقة 11 وبإسناد فني وجوي من التحالف الدولي، بالذهاب إلى المكان المستهدف، وعثرت القوة على 8 جثث للإرهابيين”، لافتة إلى أن المعلومات تشير إلى وجود قيادات مهمة للتنظيم من بين القتلى.
وتشكل مرتفعات حمرين الممتدة بين محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين شمال العراق مركزًا استراتيجيًا مهمًا تحول خلال العقدين الماضيين إلى قاعدة للتنظيمات المتشددة المسلحة، مما حال دون الاستفادة من ثروات هذه المرتفعات الاستراتيجية.
وتمتد سلسلة مرتفعات حمرين من محافظة ديالى شمال شرق العراق باتجاه جنوب محافظة كركوك وصولاً إلى شمال محافظة صلاح الدين في منطقة الفتحة، حيث يفصلها نهر دجلة عن جبال مكحول الممتدة حتى الحدود العراقية السورية.
إلى جانب موقعها الاستراتيجي، تمتاز هذه السلسلة من المرتفعات الوعرة باحتضانها كميات كبيرة من الثروات الطبيعية في مقدمتها النفط والغاز الطبيعي التي تحاول السلطات العراقية استثمارها. لكن الأوضاع الأمنية التي يشهدها العراق منذ عام 2003 حالت حتى الآن دون الاستفادة الاقتصادية من ثروات حمرين.
وباشرت وزارة النفط العراقية نهاية عام 2003 عمليات تطوير حقول نفط في شمال البلاد بمشاركة دولية. وشملت الخطة إنتاج 160 ألف برميل يوميًا من حقل حمرين بالإضافة إلى حفر آبار إضافية إلى الآبار التسعة الموجودة في الحقل وإقامة بنية تحتية لإنتاج الغاز المصاحب.
لكن عمليات التأهيل والتطوير توقفت إثر الأوضاع الأمنية التي شهدتها المنطقة ومن ثم سيطرة تنظيم داعش على الحقل وتدميره للآبار النفطية والمعدات وتخريب خطوط نقل النفط.
وأعلنت الوزارة في مايو 2023 عن المباشرة مجددًا بتأهيل وتطوير حقل حمرين النفطي. ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مدير هيئة حقول صلاح الدين النفطية عامر خليل أحمد المهيري قوله: إن “مشروع حقل حمرين سينفذ بالتعاون بين شركتي نفط الشمال والمشاريع النفطية”.
، متوقعاً زيادة الإنتاج إلى 50 ألف برميل يومياً من النفط الخام و45 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز المصاحب.
ويؤكد الخبير الاقتصادي والأكاديمي فرات الموسوي على أن مرتفعات حمرين تتميز بأهميتها ودورها المؤثر في الاقتصاد العراقي.
ويضيف لـ”الحرة”: “وعورة الطرق في مرتفعات حمرين ومشاكلها الأمنية كانت من أبرز الأسباب التي جعلتها مركزاً للتنظيمات الإرهابية، ومنها تنظيم داعش. وبالتالي، تسببت هذه الجماعات في تأخير كافة المشاريع الاستثمارية فيها، ولهذا لم يتمكن البلد من الاستفادة من ثروات هذه المرتفعات الاستراتيجية.”
واحتضنت مرتفعات حمرين خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي العديد من القواعد العسكرية ومراكز خاصة بتجربة الأسلحة المصنعة بواسطة “هيئة التصنيع العسكرية” الحكومية، وخاصة الصواريخ. وقد حفرت الهيئة لهذا الغرض العشرات من الخنادق والأنفاق والممرات المحصنة وسط هذه المرتفعات.
واتخذت التنظيمات المتشددة المسلحة، بما في ذلك تنظيمي القاعدة وداعش بعد عام 2003، من هذه الأنفاق المحفورة بدقة وتقنية عالية وبأعماق كبيرة تحت الأرض ومن الكهوف الطبيعية مراكز قيادة ومعسكرات. وحولت جزءاً كبيراً منها إلى مخازن للسلاح واستفادت منها كمخابئ. وقد ساعدتها وعورة التضاريس على البقاء لفترة أطول فيها؛ فوعورتها تمنع القطاعات العسكرية النظامية من استخدام كافة أنواع الأسلحة والآليات للقضاء على تواجد الجماعات المسلحة التي تعتمد الكرّ والفرّ في هجماتها.
ويشير الإعلامي رياض الجابر إلى أن محافظة صلاح الدين كانت لديها خطط استراتيجية بعد عام 2003 للاستفادة عن طريق الاستثمار من الثروات الموجودة في مرتفعات حمرين، لكن الأمور تغيرت كثيرًا بعد سيطرة تنظيم داعش على محافظة صلاح الدين وجزءٍ من محافظتي كركوك وديالى عام 2014.
ورغم أن القوات الأمنية العراقية نجحت نهاية عام 2017 في تحرير كافة الأراضي من التنظيم إلا أن العديد من فلول داعش تمكنوا من الاختباء في مرتفعات حمرين واتخذوها مركزًا لشن الهجمات على المواطنين والقوات الأمنية.
يوضح الجابر لـ”الحرة”: “ما زالت المنطقة غير مؤمنة بالكامل؛ هناك أيضاً جيوب لمسلحين يستفيدون مما تقدمه لهم هذه المرتفعات كتمويه. ولكن مستقبلاً يمكن الاستفادة بشكل أكبر من ثرواتها بعد استباب الأمن والاستقرار فيها بالكامل.”
لا يعود عدم الاستثمار في حقول النفط والغاز في مرتفعات حمرين إلى نقص الموارد، بل لأن خطط الحكومات السابقة كانت تقضي بترك هذه الحقول حتى قرب نضوب الموارد النفطية أو الوقود الأحفوري في الجنوب والشمال. فعملية استخراج النفط والغاز من هذه الحقول تعتبر مكلفة، كما أن طرق نقلها تواجه صعوبات.
لكن ثروات حمرين لا تقتصر على النفط والغاز فقط، بل تشمل أيضًا السياحة. حيث تحتضن هذه المرتفعات والمنطقة المحيطة بها العديد من المواقع الطبيعية التي يمكن استغلالها كمواقع سياحية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر مرتفعات حمرين مراعي طبيعية يمكن لسكان المناطق الريفية المجاورة الاستفادة منها.
كما ساهم الامتداد الطبيعي بين سلسلة مرتفعات حمرين ومكحول في إنشاء ممر جبلي آمن استخدمته الجماعات المسلحة، بما فيها تنظيم داعش خلال السنوات الماضية، لنقل الأسلحة والمسلحين من سوريا إلى العراق والعكس دون أن تكون هدفًا سهلًا للطيران.