اكتشافات قديمة: رسوبيات المحيط تكشف عن تشابه مع ظاهرة الاحترار الناجم عن الإنسان – حالة كوكبنا
بين 59 مليون و51 مليون سنة مضت، شهدت الأرض فترات من الاحترار الدراماتيكي – واحدة تدريجية استمرت لملايين السنين، وأخرى مفاجئة تُعرف باسم “الهايبرثرمالز”، والتي تم قياسها في آلاف إلى عشرات الآلاف من السنين. يتفق العلماء على أن ارتفاع درجات الحرارة كان مدفوعًا إلى حد كبير بزيادة كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. لكن حتى الآن، كان من الصعب تحديد العلاقة الكمية الدقيقة بين العاملين.
تربط دراسة جديدة بين درجات حرارة سطح البحر ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال هذه الفترات، مما يظهر أن الاثنين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. تشير الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في مجلة “إجراءات الأكاديمية الوطنية للعلوم” إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال هايبرثرمالين قد كانت مشابهة بما يكفي لانبعاثات البشر اليوم بحيث يمكن أن تساعد العلماء في تحسين نماذج كيفية سرعة احترار المناخ في المستقبل. تتوقع هذه النماذج حاليًا ارتفاعًا نهائيًا في درجات الحرارة العالمية بمقدار 5.1 إلى 5.3 درجة مئوية (9.1 إلى 9.5 فهرنهايت) إذا تضاعفت انبعاثات البشر لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
قال المؤلف الرئيسي للدراسة، داستن هاربر، الباحث ما بعد الدكتوراه بجامعة يوتا: “السبب الرئيسي الذي يجعلنا مهتمين بهذه الأحداث العالمية لإطلاق الكربون هو أنها يمكن أن توفر نماذج للتغيير المستقبلي”.
استخدم الباحثون عينات من الرواسب مأخوذة من قاع المحيط الهادئ تحتوي على أصداف تشكلت بواسطة كائنات مجهرية قديمة كانت تعيش بالقرب من السطح. ومن خلال تحليل الأصداف، تمكنوا من وصف كيمياء سطح المحيط عندما كانت تلك المخلوقات حية. وبالاشتراك مع نموذج إحصائي متقدم، أعادوا بناء العلاقة بين درجات حرارة سطح البحر ومستويات ثاني أكسيد الكربون على مدى فترة تمتد لستة ملايين سنة تغطي هايبرثرمالين: الحد الأقصى الحراري الباليوسين-الأيوسيني (PETM) قبل 56 مليون سنة والحد الأقصى الحراري الأيوسيني الثاني (ETM-2) قبل حوالي 54 مليون سنة مضت. كانت الأرض أكثر دفئاً بكثير مما هي عليه اليوم خلال كلا الفترتين؛ حيث لم تكن هناك صفائح جليدية قطبية بعد وكانت درجات حرارة المحيط الهادئ الاستوائية تصل لأكثر من 100 درجة فهرنهايت.
كان إجمالي كمية الكربون المنطلق خلال الهايبرثرمال القديمة مشابهة للنطاق المتوقع للانبعاثات البشرية الحالية والمستقبلية؛ ومع ذلك فإن الأنشطة البشرية تطلق كميات أكبر بأربع إلى عشر مرات مقارنةً بفترات الهايبرثرمال.
قالت بابل هونيش، المشاركة في تأليف الدراسة وعالمة جيولوجيا الكيمياء بمدرسة المناخ بكولومبيا: “تشكل هذه الهايبرثرمال أقرب نماذج طبيعية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية [اليوم].” وأضافت: “إنها تختلف بعض الشيء لأنها كانت مدفوعة بأسباب طبيعية وبدأ ظهورها على مدى عدة آلاف من السنين بدلاً عن الفترة منذ بدء التصنيع.” لكنها قالت إنهم قريبين بما يكفي لمساعدة العلماء على تقدير العواقب طويلة المدى للاحتباس الحراري الناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحديثة.
عند بداية العصر الصناعي قبل حوالي 170 عامًا، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون الجوية حوالي 280 جزء لكل مليون؛ وبفضل الانبعاثات البشرية أصبحت الآن تصل تقريباً لـ420 جزء لكل مليون. وسيتم الوصول لتضاعف مستويات ما قبل الصناعة عند مستوى560 جزء لكل مليون – وهو مستوى متوقع تحقيقه خلال الثلاثين أو الخمسين عامًا القادمة إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن . يقول العلماء إنه إذا حدث ذلك ، فإن الاحترار المتوقع الذي يزيد عن تسع درجات فهرنهايت سيستغرق وقتاً أطول ، لكن مقدار هذا الوقت – عقود أو قرون أو آلاف السنوات – غير مؤكد . لقد ارتفعت درجات الحرارة بالفعل بحوالي 1,8 درجة فهرنهايت ، ومن المتوقع أن تستمر بالارتفاع حتى لو بقيت مستويات ثنائي أكسيدالكاربونات الحالية دون تغيير .
قال هونيش: “هناك تأخيرات يجب أخذها بعين الاعتبار بالنسبة لنماذج عالمنا الحديث ولا يمكننا حل تلك التأخيرات بسجل الرواسب.” وأضافت أنه يتطلب نموذج مختلف لتقدير مدى ارتفاع درجة الحرارة بالضبط عندما نصل لـ560 جزء لكل مليون لأن القطب الشمالي لم يكن به جليد أثناء الباليوسين والأيوسيني . ستأخذ الدورة العميقة للمحيط الكثير من ثنائي أكسيدالكاربونات والحرارة ولكن دورة كاملة واحدة لدورات المحيط تستغرق حوالي ألف عام لإكمالها.”
يقول مؤلفو الدراسة إن الاتجاهات الطويلة والبطيئة للاحتباس الحراري للباليوسين والأيوسيني يبدو أنها نتجت عن مجموعة متنوعة من القوى التكتونية التي تعيد ترتيب اليابسة للأرض وانخفاض دفن المواد العضوية بحيث تبقى المزيد منها في الغلاف الجوي بدلاً عن إرسالها لقاع المحيط . يبدو أن الهايبرثرمال المتزايدة حدثت عندما التقت الحمم البركانية مع رواسب عضوية ضخمة محترقة ، مما أطلق ما تحتويه تلك الرواسب الهوائية .
قال هاربر : “يمكن اعتبار هذه [الهايبرثيرمل] دراسة حالة تمثل أسوأ السيناريوهات المحتملة.” وأضاف : “يمكننا التحقيق فيها للإجابة على السؤال : ما هو التغير البيئي الذي يحدث بسبب هذا الإطلاق للكاربونات؟”
استند فريق البحث للدراسة على عينات سبق استخراجها بواسطة برنامج اكتشاف المحيط الدولي بموقعين بالمحيط الهادئ . ولقياس مستويات ثنائي اكسیدالكاربونات البحرية ، لجأ الباحثون لبقايا أحفورية لكائن يسمى الفورامنيفيرا وهي بلانكتونية ذات خلية واحدة تبني قشرته الخاصة . تجمع أصداف الفورامز كميات صغيرة جداً العنصر البوروني والذي تعكس نظائره تركيز ثنائي اكسیدالكاربونات بالمحيط عند تشكيل الأصداف وفقاً لأعمال سابقة لهونيش وآخرين .
قامت الفرق البحثية بقياس كيمياء البوروني للأصداف وتمكنوا بذلك تحويل تلك القيم لمحتوى غاز ثنائي اكسیدالكاربونات البحري السابق عبر مقارنة القيم بالملاحظات الحديثة .
تم استخراج العينّـتان اللتان تم استخدامهما بالدراسة مِن صخرة شاطكية تحت الماء تُسمى شاطسيكي رايز الواقعة شمال غرب اليابان وهي موقع مثالي لاستعادة رواسب قاع البحر التي تعكس الظروف القديمة حيث تذوب الأصداف الحجر الجيري إذا استقرت بقاع عميق لذا يجب النظر نحو الهضاب مثل شاطسيكي حيث تكون أعماق المياه ضحلة نسبيّاً بحوالي كيلو متر واحد فقط .
شارك أيضًا باحثو جامعة كاليفورنيا سانتا كروز وكلية فاسر وجامعة هاواي بتأليف الدراسة والتي تم تمويلهَا مِن قِبل مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية.