استقطاب المستثمرين الأجانب: مؤتمر الاقتصاد السعودي الرائد يجذب الأنظار!
مؤتمر الاستثمار المستقبلي في الرياض: تحديات وآفاق جديدة
وصل وفد إلى مركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات في العاصمة السعودية الرياض لحضور منتدى مبادرة الاستثمار المستقبلية (FII) في 29 أكتوبر 2019. كان من المتوقع حضور كبار رجال المال والقادة السياسيين في قمة استثمارية سعودية على غرار دافوس، وذلك على عكس العام الماضي عندما أثار القتل المروع للصحفي جمال خاشقجي موجة من المقاطعة الجماعية. يقول المنظمون إن هناك 300 متحدث من أكثر من 30 دولة، بما في ذلك مسؤولون أمريكيون ورؤساء بنوك عالمية وصناديق ثروة سيادية كبرى، يشاركون في المنتدى الذي يستمر ثلاثة أيام.
من المقرر أن يتوجه الآلاف من الماليين والمؤسسين والمستثمرين إلى العاصمة السعودية الرياض لحضور النسخة الثامنة من مبادرة الاستثمار المستقبلية، المؤتمر الاقتصادي الرائد الذي يقع في قلب رؤية 2030 — الخطة التي تقدر بمليارات الدولارات لتحديث وتنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية.
وصف بعض الحاضرين هذا الحدث سابقًا بأنه فرصة كبيرة للمال السعودي، لكن مديري الصناديق الذين تحدثوا إلى CNBC هذا العام يرسمون صورة مختلفة تمامًا حيث تفرض المملكة متطلبات أكبر لجمع الأموال والمستثمرين المحتملين بينما تواجه أيضًا ضغوطًا مالية بسبب انخفاض أسعار النفط والإنتاج.
قال عمر يعقوب، شريك في شركة ABS Global للاستثمار ومقرها الولايات المتحدة والتي تدير أصولاً تقارب 8 مليارات دولار: “لا شك أنه أصبح أكثر تنافسية لجذب الأموال من المملكة”. وأضاف: “الجميع يذهب لـ ‘تقبيل الخواتم’ كما يُقال، في الرياض”.
وأشار يعقوب إلى أن “التنافس على رأس المال قد اشتد”، مضيفًا عوامل أخرى مثل ميل السعوديين للاستثمار محليًا بالإضافة إلى الديناميكية الأوسع لميزانية أكثر تشددًا بسبب انخفاض أسعار النفط. وهذا يعني أن الاستثمار الدولي أصبح أكثر انتقاءً.
بينما تمضي المملكة العربية السعودية قدمًا بتركيزها على الاستثمار المحلي، فقد أدخلت شروطاً صارمة للأجانب القادمين إلى المملكة لأخذ رأس المال إلى أماكن أخرى. شهد صندوق الاستثمارات العامة السعودي البالغ قيمته 925 مليار دولار زيادة بنسبة 29% ليصل إجمالي أصوله إلى 2.87 تريليون ريال سعودي (765.2 مليار دولار) عام 2023 — وكان الاستثمار المحلي هو المحرك الرئيسي لذلك.
كما تسعى قانون الاستثمار المحدّث مؤخرًا بالمملكة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية — وقد وضعت هدفاً طموحاً يتمثل بجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة مئة مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030. حاليًا لا يزال هذا الرقم بعيد المنال حيث بلغ متوسط الاستثمارات الأجنبية حوالي اثني عشر مليار دولار سنويًا منذ إعلان رؤية 2030 عام 2017.
قال فادي عربيد، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للاستثمار بشركة أموال كابيتال بارتنرز المدارة من دبي: ”لم يعد الأمر يتعلق بـ ‘خذ أموالنا واغادر’ — بل يتعلق بإضافة قيمة”. وأوضح أن القيمة تعني توظيف وتطوير نظام إدارة الأصول وخلق منتجات جديدة وجلب المواهب والاستثمار أيضًا في الأسواق المالية السعودية؛ لذا فإن الأمر يتعلق بالاستثمار متعدد الجوانب وليس مجرد صفقة مالية بحتة.
في الوقت نفسه تتخذ المملكة خطوات واضحة لتخفيض الإنفاق مع انخفاض أسعار النفط بشكل كبير عن مستوى التعادل المالي لها وتواصل تخفيضات الإنتاج المتفق عليها مع أوبك+. وقد ارتفع سعر برميل النفط المطلوب لتحقيق التوازن المالي بشكل حاد حيث تستثمر السعودية تريليونات الدولارات في مشروع نيوم الضخم.
أظهر أحدث توقعات صندوق النقد الدولي لشهر أبريل أن سعر التعادل المالي سيكون عند مستوى $96.20 لعام 2024؛ وهو ما يمثل زيادة بنسبة حوالي 19% مقارنة بالعام السابق وحوالي 28% أعلى مما كان عليه سعر برميل خام برنت والذي كان يتداول حول $72.75 صباح يوم الاثنين الماضي.
أضاف مستثمر إقليمي طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية: “لا أعتقد أن لدى السعوديين نفس الوسائل التي كانت لديهم قبل عامين”. ومع ذلك ، قال إن المملكة “تظل واحدة من البلدان القليلة جدًا التي لا تزال لديها الأموال لتقديمها”. قد يكون الوضع اليوم نوعا ما متوقفا ولكن … الآن أصبح الأمر أكثر انضباطا وأكثر عقلانية”.
واقترح بعض مديري الصناديق ذوي الخبرة الطويلة بالمنطقة أنه قد يكون الوقت قد فات بالنسبة للكثيرين ممن يقومون بأول تجاربهم داخل البلاد.
وقال عربيد: “كان يجب عليك البدء بهذه العملية قبل سنتين أو ثلاث أو أربع سنوات”. ومع ذلك ، أضاف قائلاً: “بالنسبة لأولئك الذين يدخلون الآن ، فهذا لا يعني أنهم يجب ألا يضعوا أنفسهم – لأنه دورة ، صحيح؟ لكن الآن ، أعتقد أنهم أصبحوا أكثر وعياً بذلك – يقولون إنه يجب عليك الالتزام بالدولة”.
مثال واحد هو قانون المقر الرئيسي للمملكة الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من الأول يناير 2024 والذي يتطلب الشركات الأجنبية العاملة بالخليج بأن تكون مكاتبها الرئيسية الشرق الأوسط موجودة بالرياض إذا أرادت الحصول على عقود مع الحكومة السعودية.
يُعقد المؤتمر الفخم داخل فندق ريتز كارلتون بالرياض وسط خلفيات الحرب الإقليمية وبعد مرور عام تقريباً منذ شن إسرائيل حربها ضد حماس بغزة.
خلال تلك الفترة زادت الهجمات بين إسرائيل ووكلاء إيران بما يشمل حزب الله والحوثيين اليمنيين بشكل كبير حيث غزت الدولة اليهودية لبنان خلال سبتمبر الماضي . وكانت المنطقة تنتظر بفارغ الصبر الانتقام المعلن لإسرائيل ضد إيران بسبب قصف صواريخها فوق تل أبيب وأجزاء أخرى يوم الأول أكتوبر .
في وقت مبكر يوم السبت شنت إسرائيل ضربات جوية ضد مواقع عسكرية بإيران تستهدف مصانع تصنيع الصواريخ . وقال الجيش الإسرائيلي لاحقا إنه أكمل هجمات “مستهدفة” بإيران مضيفاً أنه جاهز لـ “تنفيذ إجراءات دفاعيه وهجومية”.
حتى الآن يبدو أن أسعار النفط والاقتصاد السعودي لم تتأثر كثيراً بهذا الوضع إذ انخفضت الأسعار بنسبة %4 صباح الاثنين بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران . ومن الأسباب الرئيسية لذلك ربما تكون اتفاق المصالحة الذي وقعته المملكة مع إيران والذي توسطت فيه الصين خلال مارس 2023 .
قال عربيد :”لقد قامت السعودية بعمل رائع مؤخرً لحماية نفسها أمام الأحداث الجيوسياسية”.
يساعد أيضاً كون المستثمرين المحليين يشكلون غالبية المشاركين بالسوق وثقة المستثمر المحلي قوية جداً . فقد ارتفع مؤشر تداول جميع الأسهم السعودي بنسبة %16,48 خلال السنة الماضية .
ومع ذلك يحذر بعض المحللين بالمنطقة بأن الأزمات المتزايدة بالشرق الأوسط لديها القدرة على خلق مزيدٍ من عدم الاستقرار .
وقال عزيز الغشاني مدير البحث بمؤسسة مراقبة الشرق الأوسط :”لقد تصاعدت الحرب تدريجياً حتى وصلت لنقطة أصبحت فيها حرب إقليمية فعلّيه”. وأضاف:”الحرب المستمرة ليست فقط أزمة جيوسياسية ولكن استمرارها لديه القدرة لخلق مزيدٍ التطرف داخل وخارج المنطقة”.
وأضاف الغشاني:”إن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة بينما الحفاظ على أسعار النفط عند المستوى المرغوب فيه أمر أساسي للحفاظ على مشاريع العملاقة بالمملكة وخطط التنوع”.
“هذا بالطبع تعقده الحرب الإقليمية وبالتالي فإن الاقتصاد والأمن يسيران جنباً الى جنب.”