إسرائيل تحت ضغط: كيف تواجه معضلة التجنيد بين رفض الحريديم واحتياجات الجيش؟
يتصاعد الجدل في إسرائيل حول قضية تجنيد اليهود المتشددين دينياً في الجيش، حيث تواصل هذه القضية إثارة الخلافات في الأوساط الإسرائيلية، بعد قرار المحكمة العليا في يونيو الماضي بوجوب تجنيد الحريديم.
وعقب الحكم الصادر، يسعى الجيش الإسرائيلي لضم نحو 3000 شاب حريدي إلى صفوفه، في خطوة غير مسبوقة تهدف لإنهاء الإعفاء التاريخي الممنوح لطلاب المدارس الدينية.
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، تأتي هذه التغيرات في وقت يواجه فيه الجيش ضغوطاً متزايدة بسبب الحرب في غزة والتوترات على الحدود الشمالية مع لبنان. وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم استعداد بعض الشباب الحريديم للتجنيد، إلا أن الغالبية تقاوم هذه الخطوة معتبرة أنها تهدد هويتهم الدينية وأسلوب حياتهم.
تعتبر الخدمة العسكرية إلزامية للذكور والإناث من اليهود في إسرائيل بينما يعفى منها المتدينون بهدف التفرغ للدراسة في المعاهد الدينية والحفاظ على هوية الشعب.
ويؤكد الحريديم الذين يلتزمون بتفسير صارم للقانون اليهودي ويعيشون في مجتمعات معزولة أن دراستهم للتوراة تهدف إلى حماية البلاد بقدر ما تفعله الخدمة العسكرية.
ويخشى معظم القادة الدينيين الحريديم من أن يؤثر الجيش على هوية الشباب ويعرضهم لتأثيرات الثقافة الإسرائيلية العلمانية. ويرون أن التجنيد يمثل تهديداً محتملاً لنمط الحياة التقليدي الذي يتبناه المجتمع الحريدي.
موقف “أكثر تشدداً”
وذكرت الصحيفة أنه مع اقتراب الموعد النهائي للتجنيد بنهاية العام، سيحتاج الجيش قريباً لاتخاذ قرار حول كيفية التعامل مع هذا الرفض المتوقع، خاصةً وأنه يحتاج لمزيد من القوات.
وفي منتصف أغسطس، أعلن الجيش الإسرائيلي أن 48 فقط من أول 900 شاب من اليهود المتشددين الذين تلقوا أوامر التجنيد التي أمرت بها المحكمة حضروا إلى مركز التجنيد لإكمال تقييماتهم الأولية.
وفقًا لإسرائيل كوهين، المعلق السياسي لمحطة إذاعية حريدية، كان معظم رجال الحريديم سابقًا يمتثلون للإجراءات ويحصلون على إعفاء من الخدمة العسكرية. لكن الموقف تغير الآن حيث يتخذ المجتمع الحريدي موقفًا أكثر تشدداً.
وأضاف كوهين: “قبل حكم المحكمة في يونيو كانت الفئات المتطرفة فقط هي التي تحث الرجال على تجنب أي تعامل مع الجيش. أما اليوم فإن التيار الرئيسي بأكمله داخل المجتمع الحريدي يتبنى هذا الموقف.”ديم يتبنى هذا الموقف، حيث يشير إلى القيادة الحاخامية التي توجه مختلف مجتمعات الحريديم في إسرائيل. يأتي النقاش حول تجنيد الحريديم في وقت يكافح فيه الجيش لتعزيز صفوفه، في ظل استمرار قتاله في غزة وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وتزايد التوترات في الضفة الغربية.
في الشهر الماضي، أعلن الجيش أنه استدعى آلاف الجنود الاحتياط المسرحين مرة أخرى إلى الخدمة. وتدفع وزارة الدفاع نحو تشريعات لزيادة الحد الأدنى للخدمة الإلزامية والتزامات الخدمة الاحتياطية. يؤدي هذا التوجه الجديد إلى تأجيج التوترات القائمة منذ زمن طويل بين المجتمع الحريدي المتشدد والدولة الإسرائيلية ذات الطابع العلماني الغالب.
يرى الحريديم أن دورهم الأساسي يكمن في الحفاظ على الهوية اليهودية لإسرائيل، معتبرين أن صلواتهم توفر حماية روحية للدولة. وفي المقابل، يشعر المواطنون الإسرائيليون العاديون بالإحباط إذ يرون أنهم يتحملون وحدهم مسؤولية بناء الاقتصاد الوطني وحماية أمن البلاد بينما لا يشارك الحريديم في هذه الأعباء.
“المسألة الملحة”
أصبحت مشاركة الحريديم في المجتمع الإسرائيلي الأوسع مسألة ملحة بشكل متزايد، إذ أن هذه المجموعة هي واحدة من أسرع الفئات السكانية نمواً. ومن بين 1.3 مليون يهودي أرثوذكسي متشدد يعيشون في إسرائيل اليوم، هناك حوالي 80 ألف رجل هم من سن التجنيد.
بحلول عام 2050، يقول خبراء إن الرجال المتشددين سيمثلون 41% من قاعدة التجنيد المحتملة في إسرائيل مما يضع المزيد من الضغط على القضية لإيجاد حل. بذل الجيش بعض الجهود على مر السنين لجذب المجندين المتشددين عبر إنشاء وحدات خاصة للجنود المتدينين مع بنية تحتية داعمة وإطلاق حملات لجذبهم للجيش.
لكن خبراء يقولون إن أقل من ألفي جندي اليوم هم من خلفيات أرثوذكسية متشددة وكثير منهم أصبحوا أقل تدينا لاحقاً. قال يوسي كلار الذي كان يعمل سابقاً كعضو في وحدة تجنيد الحريديم: “لم يأتوا حقاً”.
غيرت الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر نهج الجيش تجاه المجندين المتشددين الذين لم يكونوا يُعتبرون أولوية سابقًا. دفعت التوجيهات من القيادة العليا الجيش الإسرائيلي إلى مضاعفة الجهود لجلب الحريديم وأظهر الجيش استعدادًا متزايدًا لتخصيص موارد إضافية لتلبية الاحتياجات الخاصة لهذه الفئة.ل دفاعي مشارك في تجنيد الحريديم: “وصلنا إلى النقطة التي يحتاج فيها الجيش الإسرائيلي إليهم ويريدهم”.
وأضاف أن الجيش أطلق برنامجين جديدين للمجندين الحريديم، بما في ذلك وحدة بسلاح الجو تبذل جهودًا للاتصال شخصيًا بشباب الحريديم وتشرح لهم خياراتهم، لكن الاحتجاجات والضغط الاجتماعي من القيادات الدينية لا يزالان يشكلان عقبات. وقالت المسؤولة: “هناك إرادة، ولكن هناك شك”.
ووفقًا للإجراءات المتبعة، يرسل الجيش عادةً ثلاثة إخطارات للحضور قبل الشروع في اتخاذ إجراءات قانونية. وفي حال إعلان الشخص متهربًا من التجنيد، قد تُفرض عليه عقوبات تتراوح بين منعه من السفر خارج البلاد وصولاً إلى الاعتقال.