أسرار اللقاء: ماذا يناقش السيسي وإردوغان في أنقرة؟
الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى أنقرة اليوم الأربعاء تُعتبر “مهمة وتاريخية” من حيث الشكل والمضمون كما يراها خبراء وباحثون مصريون وأتراك. ويستند هؤلاء إلى عدد الاتفاقيات التي سيتم توقيعها في الساعات المقبلة وطبيعة العلاقة بين البلدين منذ عام 2012.
وكان في استقبال السيسي في أنقرة نظيره التركي، رجب طيب إردوغان. وذكرت وسائل إعلام تركية رسمية أن الزعيمين سيعقدان بعد لقائهما اجتماع “مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى”، وسيوقعان على هامشه سلسلة من الاتفاقيات تتجاوز 20 اتفاقية تشمل عدة مجالات.
تبدأ هذه المجالات من قطاع الطاقة والتجارة والثقافة، وصولاً إلى إبرام مذكرات تفاهم وصفقات دفاعية وأمنية. وسيتخلل عملية التوقيع التأكيد على ضرورة زيادة حجم التبادل التجاري ومناقشة الملفات الثنائية وقضايا أخرى تشغل المنطقة، وعلى رأسها تداعيات الحرب في غزة.
وكان إردوغان قد أجرى زيارة مماثلة إلى العاصمة المصرية القاهرة في شهر فبراير الماضي. وجاء ذلك بعد بدء الطرفين سلسلة محادثات استكشافية لإعادة تطبيع العلاقات المنقطعة منذ عام 2012.
وبينما كان الدبلوماسيون في كلا البلدين يحاولون تذليل العقبات أمام عملية إعادة تطبيع العلاقات، كسرت المصافحة بين السيسي وإردوغان في قطر وعلى هامش فعاليات كأس العالم جزءًا كبيرًا من الجليد الذي قطع طريق العلاقة لسنوات.
لطالما وصف الرئيس التركي السيسي خلال السنوات السابقة وقبل “المحادثات الاستكشافية” بـ”الانقلابي”، وكان يوجه له كلمات لاذعة تتعلق بكيفية وصوله إلى السلطة وانتزاعه كرسي الحكم من الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
لكن الرئيس التركي وبعد أن بدأت بلاده تنتهج سياسة خارجية جديدة قبل أشهر من انتخابات الرئاسة عام 2023 توقف عن إطلاق التوصيفات العدائية تجاه السيسي ومصر، مما ساعد على إعادة فتح الطرق المقطوعة دبلوماسياً وأمنياً.
ولم تقتصر السياسة الخارجية الجديدة على مصر فحسب، بل شملت دولاً عربية بارزة مثل السعودية والإمارات، ووصل الحال مؤخراً إلى حد إعلان تركيا بدء محادثات لاستعادة العلاقات مع نظام الأسد في سوريا.
“مرحلة تعافٍ كامل”
ولا يُعرف بشكل دقيق ما إذا كانت مصر وتركيا تمكنتا…إنهاء كامل الملفات الخلافية، وعلى رأسها الوضع الخاص بـ”جماعة الإخوان المسلمين” وقياداتها ووسائل الإعلام الخاصة بها.
ومع ذلك، تشير الأجواء التي خيمت على مشهد زيارة إردوغان لمصر في فبراير وتلك الخاصة بزيارة السيسي إلى أنقرة إلى “مرحلة من التعافي الكامل”، كما يقول الكاتب والصحفي المصري، أشرف العشري.
ويرى العشري في حديثه لموقع “الحرة” أن زيارة السيسي إلى أنقرة ”تمثل بداية عودة للصفحة الجديدة على صعيد مسار العلاقات”.
ويوضح أنه “سنرى ترتيبا للأولويات” بين الرئيسين المصري والتركي، من خلال بحث الوضع في ليبيا وغزة والتأكيد على التوافق العربي والإقليمي بشأن إمكانية وقف إطلاق النار في القطاع المحاصر، الذي تشن إسرائيل حربا عليه.
قضايا أخرى سيتطرق إليها إردوغان والسيسي، بينها العلاقات الثنائية وملف “جماعة الإخوان”، كما يضيف الكاتب العشري، فضلا عن “تسليم بعض القيادات منهم والمستهدفين بأحكام من القضاء المصري”.
ويشير من جانب آخر إلى أن لقاء أنقرة سيتطرق إلى ملف الوجود التركي في إفريقيا والتعاون مع مصر فيما يتعلق بملف الصومال وإثيوبيا، إضافة إلى بحث أن تكون “مصر ممرا لنقل التجارة”.
ومن جهته يرى الباحث السياسي التركي هشام جوناي أن زيارة السيسي “تعني طي صفحة الخلافات بين مصر وتركيا”.
ويقول لموقع “الحرة”: “يبدو اليوم أن حقبة الخلاف انتهت وبدأت مرحلة جديدة”.
وتعني زيارة السيسي إلى تركيا أن الأخيرة تعترف بشرعيته، و”حتى لو وصل للحكم بعد انقلاب”، وفق جوناي.
ومن ناحية أخرى يتحدث الباحث عن مصالح اقتصادية مشتركة ستنعكس بعد الزيارة.
ويضيف أنه من المتوقع أن “نشهد في تركيا نمواً لحجم التبادل التجاري وتقاطعات سياسية مع مصر بخصوص التهديدات الإقليمية المشتركة”.
كما سيسعى الزعيمان للوصول إلى نقاط توافق كبيرة في ملف ليبيا والصومال. ويرى جوناي أن “تركيا تنخرط في ملفات عديدة تهتم بها مصر كدولة محورية”.
تركيا تطوي صفحة الربيع العربي
وكانت تركيا قد أعادت علاقاتها مع السعودية والإمارات خلال السنوات الماضية بعد سنوات من القطيعة السياسية.
وبينما اتبعت ذات المسار مع مصر وبالتوازي استغرقت عملية إصلاح العلاقات وقتا أطول مع القاهرة بسبب كم الملفات الشائكة والقضايا الخلافية.
وتشير وكالة الأناضول شبه الرسمية إلى الاتفاقيات.تسعى الصفقات المتوقعة لتوقيعها إلى زيادة حجم التجارة بين تركيا ومصر إلى 15 مليار دولار، بعد أن كان يقارب 10 مليارات دولار.
ومن المخطط تطوير التعاون في مجال الطاقة، الذي يوفر فرصًا متنوعة للبلدين، خاصة في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والمتجددة، بالإضافة إلى التعاون في القطاع الدفاعي.
وكان وزير خارجية تركيا، حقان فيدان، قد تحدث في وقت سابق من العام الحالي عن موافقة تركيا على توريد طائرات بدون طيار بناءً على طلب من مصر. ولم يصدر تأكيد من القاهرة حينها وحتى الآن.
تتجه الأنظار حاليًا نحو هذا الجانب من التعاون وما إذا كان البلدان سيعملان على تطوير التفاهم والتبادل القائمين في التجارة ليشمل قطاع الأمن والدفاع.
ويعتقد الباحث جوناي أنه “يوجد العديد من الأبعاد التي سيتناولها إردوغان والسيسي”. ويقول: “بعد زيارة السيسي نتوقع زيارة أخرى لإردوغان إلى مصر. وهذا يشير إلى أن تركيا قد طوت صفحة الخلافات ووضعت جانبًا أحداث الربيع العربي إن صح التعبير بعد تغيير موقفها الجذري تجاه دول مثل مصر وسوريا”.
وقد يحدث توافق بين تركيا ومصر بشأن قضية غاز المتوسط، ويتوقع الكاتب المصري العشري أن يتجه البلدان نحو “ترسيم الحدود في منطقة شرق المتوسط كما فعلت القاهرة مع اليونان وقبرص”.
ويضيف العشري: “مصر تفتح ذراعيها لتركيا وسيكون هناك نقاشات موسعة. وفي المقابل سيكون هناك مجال آخر للتعاون يحتاج بعض الوقت ولاسيما فيما يتعلق بليبيا”.
ولا يستبعد العشري أن تلعب مصر دورًا في إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق.
ويعتقد أن الزيارة الحالية “ستبني عليها الكثير خلال المرحلة المقبلة، ومن خلال مجموعة آليات سيتم تكليف المختصين بحل القضايا الخلافية، باعتبار أن القاهرة راغبة في إنهاء جميع التوترات الإقليمية مع أنقرة”.